إفادة الطائف النبيل،
بأحكام الاستلام والتقبيل.
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على
أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فإنَّ الفقه في الدين ومعرفة أحكامه، من الأمور
المرغب فيها في الشريعة، والمرتب لطالبها ومعلمها الثواب والدرجات الرفيعة، ومن
يرد اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين.
وفي هذهِ الرسالة
المختصرة سأذكر جملةً من الأحكام الشرعية، المتعلقة بالحجر الأسود وبقية الأركان،
مراعيا التسهيل، تقريباً للتحصيل، أرجو من الله ثواب العمل، والعفو عن التقصير
والزلل، فلا حرم الله الكاتب والقارئ والناشر غنم ثوابها، فاللهمَّ يسر وأعن.
فأقول مستعينًا برب العباد، راجيًا للتوفيق
والسداد :
إن الله - سبحانه وتعالى - خلقنا من أجل عبادته
وحده لا شريك له، والتعبد له بمتابعة رسوله ﷺ، ومن حقق الإخلاص والمتابعة، فقد حقق
شرطي صحة العمل.
ومعرفةُ هذهِ الأحكام المتعلقة بالأركان من حيث
استلامها وتقبيلها، والحكمة من فعلها، يعصم المرء المسلم - بإذن الله تعالى - من الزلل في شَرَك الشرك والبدع، فإليك
أيها الكريم هذهِ المسائل :
المسألة
الأولى:
ما حكم التعلق
والتمسح بأبواب الحرم وأركانه؟
سئل شيخُ الإسلام،
عبدالعزيز بن باز - رحمه اللهُ -:
ماحكم التمسح
بالشبابيك وأبواب الحرم معتقدًا أنها قربى لله سبحانه وتعالى؟
فأجاب - رحمه اللهُ
-:
هذهِ بدعة، وإن كان
يطلب البركة منها صار شركًا، أما إذا كان يظن أنها قربة أو طاعة فهذا بدعة.
[شرح كشف الشبهات. 143]
قلتُ: وعلى هذا فقس جميع الأحجار في الحرم وغيره، إلاَّ ماورد استلامه
وتقبيله تعبدا واتباعا، لا تبركا وابتداعا، كما سيمر معنا - إن شاء الله -.
المسألة
الثانية:
ما معنى استلام
الأركان؟
وما هي الأركان
المشروع استلامها؟
فأما الاستلام: فكل
استلام
بحسبه، والمقصود
باستلام الأركان هو: المسح باليد.
قال الحافظُ
ابن حجر
- رحمه اللهُ -:
والاستلام المسح
باليد.
[فتح الباري 276 / 4]
وأما ما يُستلم من
الأركان، فإنه لا يستلم إلاَّ الحجر الأسود والركن اليماني فقط، وهما الركنان
اليمانيان، سُميا بذلك تغليبا لأحدهما.
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة
- رحمه اللهُ -:
ولا يستلم من الأركان
إلاَّ الركنين اليمانيين، دون الشاميين، فإن النبي ﷺ إنما استلمهما خاصة، لأنهما
على قواعد إبراهيم.
[مجموع الفتاوى 26 / 121]
وقال العلامةُ العثيمين
- رحمه اللهُ - :
لا يشرع استلام شيءٍ
من أركان الكعبة أو جدرانها، سوى الركنين اليمانيين.
[تنبيه الأفهام /
591]
وبهذا نعلم أن
الركنين الشاميين لا يستلمان ولا يقبلان، ولما استلمهما معاوية أنكر عليه ابن
عباس، فرجع معاوية اتباعا للرسول ﷺ، رضي اللهُ عنهم أجمعين.
وأما سائر جوانب
البيت وغيرها، فقد نُقل الاتفاق على المنع
من استلامها.
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة
- رحمه اللهُ -:
وأما سائر جوانب
البيت، ومقام إبراهيم، وسائر مافي الأرض من المساجد وحيطانها، ومقابر الأنبياءِ
والصالحين، كحجرة نبيِّنا ﷺ، ومغارة إبراهيم، ومقام نبيِّنا ﷺ الذي كان يصلي فيه،
وغير ذلك من مقابر الأنبياءِ والصالحين، وصخرة بيت المقدس، فلا تستلم ولا تقبل
باتفاق الأئمة.
[مجموع الفتاوى 26 / 121]
وهنا مسألة إلتزام الملتزم،
فقد وردت فيه آثار عن
الصحابة رضي اللهُ عنهم أجمعين.
فلا تدخل في الكلام
السابق، إذ أنها تختلف عن التقبيل والاستلام.
قال الإمامُ ابن باز
- رحمه اللهُ -:
قد روي عنه ﷺ أنه
التزم الملتزم بين الركن والباب، لكنها رواية ضعيفة، وإنما فعل ذلك بعض الصحابة
رضوان الله عليهم، فمن فعله فلا حرج، والملتزم لا بأس به.
[الاختيارت الفقيهة / 318]
وكذلك ورد أن النبي ﷺ
استلام جدران الكعبة من الداخل، وكبر فيها.
قال الإمامُ ابن باز
- رحمه اللهُ -:
التمسح بالمقام أو
بجدران الكعبة أو بالكسوة كل هذا أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشريعة، ولم يفعله
النبي ﷺ، وإنما قبَّل الحجر الأسود واستلمه واستلم جدران الكعبة من الداخل، لما
دخل الكعبة ألصق صدره وذراعيه وخده في جدارها وكبر في نواحيها ودعا. أما في الخارج
فلم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك فيما ثبت عنه.
[ الاختيارت الفقيهة / 318]
المسألة
الثالثة:
هل الركنان اليمانيان
يستلمان ويُقبلان؟
فأما الحجر الأسود
فإنه يستلم ويقبل، وأما الركن اليماني فإنه يستلم فقط ولا يقبل، على الصحيح من
قولي العلماء.
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة :
فالركن الأسود يستلم
ويقبل، واليماني يستلم ولا يقبل.
[مجموع الفتاوى 26 / 121]
وقال أبناء الإمامِ المجددِ وحمد بن معمر -
رحمهم اللهُ -:
الحجر الأسود يقبل
ويستلم، والركن اليماني يستلم ولا يقبل، وفيه قول للحنابلة أنه يقبل أيضًا، والصحيح
الأول، لأن تقبيله لم يثبت عن النبي ﷺ.
[الدرر السنية
5 / 381]
المسألة
الرابعة:
ماهي الحكمة من
التقبيل والاستلام؟
الحكمة في ذلك: تعظيم
الله باتباع النبي ﷺ.
جاء في الصحيحين:
عنْ عُمَرَ رضي الله
عنه أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ , فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : إنِّي
لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ , لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ , وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ
النَّبِيَّ ﷺ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
قال العلامةُ السعدي
- رحمه اللهُ - :
يقول - رضي اللهُ عنه
- : إني لم أفعل ذلك تعظيما لشيءٍ من الأحجار، كما يفعل أهل الجاهلية، بل هذا
تعظيم لله ولرسوله ﷺ ؛ لأنّه أمر بتقبيله.
[التعليقات على عمدة الأحكام / 258]
وقال شيخنا العلامةُ صالح الفوزان - نفع الله
بعلومه -:
فنحن نقبل الحجر الأسود
ونستلمه ونشير إليه طاعة لله، وإلاَّ فهو حجر لا يضر ولا ينفع، ونحن لا نقبله
تبركا به، أو رجاء أن ينفعنا أو يضرنا، لأنه حجر، لكن الله جعله لنا مشعرا؛ فنحن
نستلمه ونقبله ونشير إليه تعبدا لله - عز َّوجلَّ - وطاعة له واقتداء بالرسول ﷺ.
[شرح مناسك
الحج والعمرة / 64]
المسألة
الخامسة:
هل ورد فضل في استلام
الحجر الأسود وتقبيله؟
وردت أحاديث وآثار،
واختلف في صحتها وثبوتها، ولكن يكفي فضلاً في الاستلام والتقبيل اتباع النبي ﷺ،
فهو فضل عظيم، وهذهِ بعض من الأحاديث التي وردت:
قال النبيُّ ﷺ:
"إن مسح الحجر
الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا"
رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر.
وقال النبيُّ ﷺ:
"نزل الحجر
الأسود من الجنة أشد بياضاً من الثلج فسوَّدته خطايا بني آدم."
خرجه الترمذي وقال:
حديث حسن صحيح.
وغيرها من الأحاديث
الواردة
المسألة
السادسة:
حكم الاستلام
والتقبيل .
نقل غير واحد من أهل
العلم الاتفاق على سنية الاستلام للركنين اليمانيين.
قال الحافظُ النووي
- رحمه اللهُ -:
وقد أجمعت الأمة على
استحباب استلام الركنين اليمانيين.
[ شرح النووي على صحيح مسلم 9 / 14]
والجمهور على سنية
التقبيل للحجر الاسود دون اليماني.
قال العلامةُُ الشوكاني
- رحمه اللهُ - :
وفيه استحباب تقبيل الحجر الأسود، وإليه ذهب
الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء.
[نيل الأوطار / 909]
وعلى هذا يخطيء من
يظن وجوب ذلك، فتجدهم يتدافعون ويتقاتلون من أجل الاستلام والتقبيل!!
المسألة
السابعة:
هل يشرع للنساء تقبيل
الحجر الأسود، وهل يكشفن وجوههن عند التقبيل؟
يشرع للنساء الاستلام
والتقبيل، ولكن عليهن تجنب المزاحمة مع الرجال، ولايكشفن وجوههن عند التقبيل،
لوجود من ليس من محارمهن في المكان.
قال الإمامُ العلامةُ عبد العزيز بن باز - رحمه
اللهُ -:
لا يجوز للنساء كشف
الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحدٌ من الرجال.
[الاختيارت الفقيهة / 319]
وقالت اللجنةُ الدائمة:
تقبيل الحجر الأسود
في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك؛
اقتداء برسول ﷺ في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك، والاكتفاء
بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا
تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل بدون مزاحمة أن
تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف.
السؤال الثاني من الفتوى
رقم :(1775)
ابن باز - عفيفي - ابن غديان - ابن قعود ]
المسألة
الثامنة:
ماهي صفة استلام
وتقبيل الحجر الأسود واستلام الركن اليماني؟
الحجر الأسود يكون
استلامه وتقبيله على عدة صفات مرتبة، فإن تيسر له استلامه وتقبيله مباشرة فإنه
يستلمه ويقبله، وإن لم يتيسر له استلمه بيده ثم قبل يده، وإن لم يتيسر له استلمه
بعصا ونحوها وقبلها، فإن لم يتيسر أشار إليه.
قال العلامةُ العثيمين :
كل هذهِ الصفات وردت
عن النبي ﷺ، وهي مرتبة حسب الأسهل، فأعلاها استلام باليد وتقبيل الحجر، ثم استلام
باليد مع تقبيلها، ثم استلام بعصًا ونحوه مع تقبيله، إن لم يكن فيه أذية، والسنة
إنما وردت في هذا للراكب فيما نعلم، ثم إشارة، فالمراتب صارت أربعا، تفعل أولاً فأولاً
بلا أذية ولا مشقة.
[الشرح الممتع 7 / 238]
وصفة الإشارة
والاستلام:
أن تكون باليد اليمنى
فقط.
وذكر بعض العلماء في
صفة التقبيل عدم رفع الصوت بها.
قال ابن حجر العسقلاني
- رحمه اللهُ - :
المستحب في التقبيل
أن لا يرفع به صوته، وروى الفاكهي عن سعيد بن جبير قال: إذا قبلت الركن فلا ترفع
بها صوتك كقبلة النساء.
[فتح الباري 4 / 277]
قلتُ: الأحاديث الواردة ليس فيها ذكر لرفع الصوت وعدمه، فيحتاج حكم الاستحاب
لدليل صحيح.
أما الركن اليماني:
فإنه لم يرد فيه سوى الاستلام فقط، فإن لم يتيسر الاستلام فلا يستلمه بعصا ولا يشير إليه.
قال العلامةُ العثيمين :
إذا لم يستطع استلام
الركن اليماني فإنَّه لا يشير إليه؛ لأنَّه لم يرد.
[الشرح الممتع 7 / 247]
مسألةٌ:
لو قُدّر أن الحجر لم
يكن موجودًا، لأي ظرف كان، بسرقة أو غيرها؛ فما العمل؟
أشار إلى هذهِ
المسألة العلامةُ الخرقي الحنبلي - رحمه
اللهُ - لأنَّ في وقته قد سُرِق الحجر الأسود من القرامطة الزنادقة - عليهم من
الله مايستحقون -.
قال الخرقي - رحمه اللهُ -
في مختصره:
ثم أتى الحجر الأسود،
- إن كان - فاستلمه إن استطاع، وقبَّله.
قال العلامةُ ابن قدامة - رحمه اللهُ - في شرحه
مختصر الخرقي:
وقول الخرقي : "إن كان"
يعني إن كان الحجر في
موضعه لم يذهب به، كما ذهب به القرامطة مرة، حين ظهروا على مكة، فإذا كان ذلك،
-والعياذ بالله -، فإنه يقف مقابلا لمكانه، ويستلم الركن.
[ المغني 3 / 183]
وقال العلامةُُ الزركشي الحنبلي - رحمه اللهُ -
، في شرحه مختصر الخرقي:
وقوله:
ثم أتى الحجر الأسود
"إن كان "
أي إن كان الحجر في
مكانه، أما إن لم يكن الحجر في مكانه -
والعياذ بالله - كما وقع ذلك في زمن الخرقي - رحمه اللهُ -، لما أخذته القرامطة
فإنه يقف مقابلا لمكانه، ويستلم الركن، عملا بما استطاع، والله أعلم .
[شرح الزركشي 2 / 174]
ولو قيل بأنه يكبر
عند محاذاته دون استلام الركن لعدم وجود الحجر الأسود لكان له وجه.
المسألة
التاسعة:
متى يستلم ويقبل
الحجر الأسود؟
ومتى يستلم الركن
اليماني؟
فأما الركن اليماني
فإنَّه يُستلم في كل شوط؛
وأما الحجر الاسود
يُستلم ويُقبل عند الشروع في الطواف؛ واختلف أهل العلم هل يقبله في كل شوط أم
يكتفى بالاستلام فقط؟
على قولين عند
العلماء.
قال الإمامُ ابن باز
- رحمه اللهُ - :
يستحب تقبيل الحجر
الأسود خاصة في كل شوط مع الاستلام؛ حتى في الشوط الأخير.
[الاختيارت الفقيهة / 360]
وقال الإمامُ
العلامةُ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - :
تقبيل الحجر الأسود
أول مايبدأ طوافه.
وقال أيضًا :
يسن استلام الحجر
الأسود في كل طوفة، ولا يسن تقبيله في كل طوفة، ماروي ذلك عن النبي ﷺ، ولا جاء ما
يدل عليه، فلا يكون سنة، بخلاف استلام الركنين فإنه مندوب في كل مرة.
[ فتاوى ابن إبراهيم 5 / 240 - 241]
والقول الثاني الذي
ذهب له العلامةُ ابن إبراهيم - رحمه اللهُ -
بأنه يستلم الحجر دون تقبيله في أثناء الطواف هو ظاهر السنة، والله أعلم.
مسألةٌ:
وهل يدخل في ذلك
الشوط الأخير؟
الذي رجحه الشيخُ ابن
باز كما في النقل السابق عنه: أنه داخل في الحكم من حيث استلامه وتقبيله.
وذهب العلامةُ
العثيمين إلى أنه لا يستلم الحجر الأسود في الشوط الأخير.
قال في الشرح الممتع 7 / 245:
مسألةٌ:
في آخر شوط هل
يستلمهما؟
فالجواب: يستلم الركن
اليماني ولا يستلم الحجر الأسود.
لأنه إذا مر بالركن
اليماني مر
وهو في طوافه، وإذا
انتهى إلى الحجر الأسود انتهى طوافه قبل أن يحاذيه، تمام المحاذاة، وعليه فلا
يستلم الحجر الأسود. انتهى كلامه - رحمه اللهُ - .
مسألةٌ:
ويستلم الحجر الأسود
بعد الفراغ من الركعتين بعد الطواف.
جاء في حديث جابر
الطويل في صفة حج النبي ﷺ، بعد أن ذكر الركعتين خلف المقام، قال:
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا.
خرجه مسلمٌ في صحيحه.
قال الحجاوي - رحمه اللهُ -
في الزاد:
ثمّ يصلي ركعتين خلف
المقام، ثمّ يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا..الخ
وقال البعلي في التسهيل
:
ثمّ يصلي ركعتين خلف
المقام، ثم يعود إلى الحجر فيستلمه، ثُمَّ يخرج إلى الصفا..الخ
مسألةٌ:
هل يُقبل الحجر في
هذه الحالة؟
الظاهر من السنة عدم
التقبيل، فيكتفى هنا بالاستلام إن تيسر.
مسألةٌ:
هل هذا الاستلام لكل
من انتهى من طوافه أو خاص لمن طاف ثم يريد السعي؟
قال العلامةُ
العثيمين شارحا قول صاحب الزاد " ثم يصلي ركعتين خلف المقام، ثم يستلم الحجر،
ويخرج إلى الصفا.. "،:
والظاهر أن استلام
الحجر لمن أراد أن يسعى، وأما من طاف طوافًا مجردًا ولم يرد أن يسعى فإنه لا يسن
له استلامه، وهذا الاستلام للحجر كالتوديع لمن قام من مجلس، فإنه إذا أتى إلى
المجلس سلم، وإذا غادر سلم.
[الشرح الممتع 7 / 267]
مسألةٌ:
من فاته استلام الركن
هل يعود له أم يكمل طوافه؟
قالت اللجنةُ
الدائمة:
إذا تركت المسح على
الركن اليماني ثم ذكرت ذلك بعد ماتجاوزت الحجر الأسود لا تعود لمسحه، لأنَّ مسحه
سنة، وإن عدت لا يفسد الطواف.
[الفتوى رقم : 21171
عبد العزيز آل الشيخ - ابن غديان - الفوزان -
بكر أبو زيد. ]
المسألة
العاشرة:
هل يسجد على الحجر
الأسود عند تقبيله واستلامه؟
اختلف أهل العلم في
هذه المسألة في ثبوت ماورد في ذلك رفعا ووقفا،
وقد نسب غير واحد من
أهل العلم أن السجود عليه هو مذهب الجمهور؛ ومنهم النووي والشوكاني، وغيرهما،
قال النووي
- رحمه اللهُ -:
يستحب السجود على
الحجر أيضًا بأن يضع جبهته عليه، فيستحب أن يستلمه ثمّ يقبله ثمّ يضع جبهته عليه،
هذا مذهبنا ومذهب الجمهور.
[شرح النووي على مسلم 9 / 16]
وقال الشوكاني
- رحمه اللهُ -:
حكى ابن المنذر عن
عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي
وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة،
وبه قال الجمهور .
وروي عن مالك أنه
بدعة واعترض القاضي عياض بشذوذ مالك في ذلك.
[ نيل الأوطار / 909]
قلتُ: وظاهر الأحاديث الصحيحة عدم السجود عليه، والعمل بها أولى، ومن عمل
بما ذهب له جمهور العلماء استنادا للوارد ومع اعتماد الثبوت فلا ينكر عليه.
قال الإمامُ ابن باز
- رحمه اللهُ - في شرحه على البلوغ:
وأما السجود عليه:
فروي عن ابن
عباس - رضي اللهُ عنه - ولكن الأحاديث
الصحيحة ليس فيها السجود، إنما فيها التقبيل والاستلام، وأما الزيادة فهي محل نظر!
جاءت عن ابن عباس
مرفوعة وموقوفة، والأحاديث الصحيحة الثابتة تخالف ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم
كان يقبل فقط، من غير أن يضع وجهه على الحجر.
وقال في الأسئلة
عندما سئل هل السجود عليه بدعة؟
قَال - رحمه اللهُ -
:
لا، محل نظر، لكن
الأفضل الأخذ بالأحاديث الصحيحة، لأن ابن عباس فعله، ويبعد أن يكون هذا من جهة
رأيه، فقد يكون النبيُّ ﷺ فعله في بعض الأحيان؛
لكن اعتماد الأحاديث
الصحيحة أولى.
المسألة
الحادية عشرة:
هل يشرع تقبيل الحجر
الأسود من دون طواف؟
قَالت اللجنةُ
الدائمة :
لا يشرع تقبيل الحجر
الأسود في غير الطواف؛ لأنَّ النبي ﷺ لم يكن يفعله إلاَّ في الطواف.
[السؤال الثاني من الفتوى رقم: ( 21515 )
عبد العزيز آل الشيخ - ابن غديان - الفوزان -
بكر أبو زيد.]
المسألة
الثانية عشرة:
ماذا يقال عند
الاستلام والتقبيل؟
وردت في ذلك أحاديث
وآثار في الذكر عند استلام الحجر الأسود وتقبيله، فأما الثابت عن النبي ﷺ فهو
التكبير.
قال الإمامُ البخاري:
بَابُ التَّكْبِيرِ
عِنْدَ الرُّكْن.ِ
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَال:
َطَافَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِير،ٍ كُلَّمَا أَتَى
الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ.
قال الحافظُ ابن حجر
- رحمه اللهُ -:
وفيه استحباب التكبير
عند الركن الأسود في كل طوفة.
[ فتح الباري 4 / 287]
وأما الآثار فقد
ضعفها كثير من أهل الحديث، وصححها آخرون، فمنها:
قول: بسم الله والله
أكبر
وقول: اللهمَّ
إيماناً بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيِّك محمد ﷺ.
عند أول الطواف.
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة
- رحمه اللهُ - :
ويقول إذا استلمه :
بسم الله، والله أكبر، وإن شاء قال:
اللهمَّ إيماناً بك،
وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيِّك محمد ﷺ.
[مجموع الفتاوى 26 / 121 ]
وفرَّق بعض أهل العلم
بين أول الطواف وبقية الطواف، فذكروا أن في أول الطواف يقول: بسم الله والله أكبر.
وفي بقية الطواف
يكتفي بالتكبير فقط.
وذهب لذلك الشيخ
العثيمين - رحمه اللهُ -، جمعا بين الوارد.
والأمر في هذا واسع -
إن شاء الله -؛
فمن اكتفى بالتكبير
موافقة لظاهر الحديث الوارد عن النبي ﷺ فقد أحسن،
ومن ذكر الوارد عن
الصحابة متابعة لمن صحح هذهِ الآثار فلا بأس.
والله أعلم.
وأما الركن اليماني:
فلم يثبت عند استلامه
ذكر،
فيكتفى عنده
بالاستلام فقط على الصحيح من قولي العلماء.
قال الشيخُ العثيمين
- رحمه اللهُ - :
لم يذكر المؤلف -
رحمه اللهُ - بعد أن ذكر التكبير عند الحجر الأسود ماذا يقول عند استلامه الركن
اليماني؟
والجواب: أنه لا يقول
شيئًا، فيستلم بلا قول، ولا تكبير، ولا غيره؛ لأنَّ ذلك لم يرد عن النبي ﷺ.
[ الشرح الممتع 7 / 247 ]
وأخيرًا:
هنا تنبيهان مهمان،
على خطأين يقع فيهما بعض الناس.
الأول: تسمية الحجر
الأسود بالحجر الأسعد!
وهذهِ تسمية بدعية ما
أنزل الله بها من سلطان.
قال الشيخُ العثيمين
- رحمه اللهُ - :
يخطيء من يقول الحجر
الأسعد، فإنَّ هذهِ تسمية بدعية، فإن اسمه
الحجر الأسود.
[ الشرح الممتع 7 / 232]
الثاني:
صب الطيب على الحجر
الأسود.
قال الشيخُ العثيمين
- رحمه اللهُ - :
ونحن نرى أن الذين
يضعون الطيب في الحجر الأسود قد أخطأوا؛ لأنَّهم سوف يحرمون الناس من استلام الحجر
الأسود، أو يوقعونهم في محظور من محظورات الإحرام، وكلاهما عدوان على الطائفين.
[الشرح الممتع 7 / 140]
وهنا فائدة لمن مس
الطيب الذي على الحجر وهو محرم:
قال الشيخُ ابن باز
- رحمه اللهُ - في
شرحه على البلوغ عندما سئل هذا السؤال:
الحجر الأسود يكون فيه
طيب، وكذلك الركن اليماني، ولمسه الإنسان وهو محرم؟
فأجاب - رحمه اللهُ
-:
إذا كان ليس رطبًا
فلا يضرك إذا قبلته، لكن إذا كان رطبًا فلا تمسه.
وختامًا:
أرجو بهذا المكتوب، رفعة عند علام الغيوب، وحطا للخطايا والذنوب، فاللهمَّ لا تحرم
كاتب الرسالة وقارئها، واسع فضلك، وكريم عفوك، وجميل مغفرتك، وفقهنا اللهمَّ في
دينك، واجعلنا من أنصار شرعك، وأحيينا موحدين، وللسنة متبعين، واقبضنا على ذلك
يارب العالمين.
وصلى اللهُ وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله
وصحبه أجمعين.
وكتبه:
مبارك بن خليفة بن محمد العساف.
الأربعاء 25 / 11 / 1436هـ