الخميس، 27 يناير 2022

حكم الصلاة على النَّبيِّ ﷺ عند التطيُّب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:

فإنَّ من المنتشرِ المشتهرِ بين النَّاسِ إذا تطيّب بطيبٍ صلى على النَّبيِّ ﷺ

وهذا عند النَّظر أمرٌ مُحدَث؛ وذلك لأنَّه تخصيصُ عبادةٍ عند عملٍ معينٍ من غير دليلٍ شرعي.

فمِثْلُه لو خصصتَ قولَ: سبحان الله، أو لا إله إلا الله، أو قراءةِ آيةٍ عند التطيُّب.

لا فرق بين هذا وذاك.

فالصلاةُ على النَّبيِّ ﷺ عبادة، وهي عبادةٌ مطلقةٌ ومقيدة؛ مطلقةٌ في أي وقت تُقال، ومقيدةٌ في أزمنةٍ وأمكنةٍ معينة؛ كَلَيلَةِ ويومِ الجمعة، أو عند التشهد الأخير ونحوها.

فتقْييد موضعٍ من غير دليل، ابتداعٌ في الدين.

ومن ذلك: تقييدُ الصلاةِ على النَّبيِّ ﷺ عند الطيب؛ فهذا تقييدٌ من غير دليل!

وقد صرَّح العلَّامةُ العثيمين بأنَّ هذا العملَ بدعةٌ مُحدثة.

قال العلَّامةُ العثيمين - رحمه الله -:

"أي إنسان يفعلُ عبادةً عند سببٍ مُعيَّن لم يرد به الشرعُ يكون مبتدعًا؛ مثال ذلك: اعتاد بعضُ النَّاس عند التَّطيُّبِ أن يقول: " اللهم صلِّ على محمد " فهذا الذكرُ بدعة!

فإذا قال: النَّبيُّ ﷺ يحبُ الطِّيب، وإذا تطيّبتُ تذكرتُه. قلنا: ولكن لا تصلِّ على النَّبيِّ ﷺ إذا تطيَّبت، فإذا كنتَ تحبُّه فلا تفعل إلا ما فعل."

التعليق على المنتقى ٣ /١٦١

 

وأما ما يستدلون به من قول العلامة الصنعاني - رحمه الله - صاحب كتاب "سُبُل السلام"المتوفى سنة ١٢٨٢هـ 

إذا طيّبه أحدٌ صلّى على النبي صلى الله عليه وسلم

 فسُئل : هل في ذلك سنة واردة ؟

فينشد قائلًا :

يقولون: عند الطِّيب تذكرُ أحمدًا

 فهل عندكمْ من سُنّةٍ فيه تُؤثرُ ؟

فقلتُ لهم: لا، إنّما الطّيبُ أحمدٌ

فأذكرُهُ والشيءُ بالشيءِ يُذكَر ُ

 

فيُرد عليهم من وجهين:

١- أن هذا النقل يتناقل عن العلَّامةِ الصنعاني - رحمه الله - ، والله أعلم بثبوته عنه.

وعلى فرض ثبوته عنه فلا حجة فيه، بل هو حجةٌ عليه وعلى من يستدل به! وذلك لأنَّ السنَّةَ والبدعةَ مرجعها الكتابُ والسنةُ وفهمُ سلفِ الأمة؛ فليست هي استحسانات عالم، أو أهواء جاهل.

فهل في الكتاب آيةٌ تدل، أو في السنة حديثٌ يصار إليه، أو في فهم السلف أثرٌ يدل عليه؟

فلم يفعل ذلك الرسولُ ﷺ وقد تطيَّب كثيرًا، بل حُبِّب إليه الطِّيب، ولم يفعل ذلك الصحابةُ والتابعون مع شِدَّة حبهم لنبيِّهم.

فدلَّ على أنه ابتداعٌ وإحداث.

بل إنَّ في نفس البيت قال ليس فيه سنةٌ تُؤثر!

فكيف إذًا نسن عبادة من عندنا؟!

فلا أحد يستطيع القول إنَّ الصَّلاةَ على النَّبيِّ ﷺ ليست عبادة؛ بل الكل يقول هي من أفضل العبادات؛ فيُلزمون بلازم السنَّة، أن لا يُقيِّدوا وقتًا ولا مكانًا إلا بدليل.

 

٢- قوله في البيت:

فأذكرُهُ والشيءُ بالشيءِ يُذكَر ُ

هذا استحسان محض، فليس هناك دليل على العبادات اسمه: الشيء بالشيء يُذكر!

بل العبادات توقيف، لا يُتجاوز فيه الكتاب والسنة أبدًا.

ولو فُتح باب "الشيء بالشيء يُذكر" في العبادة، لصار لسوق البدعة رواج، وفي ظلمات الضلال هاج المرء وماج!

فليُتنبه إلى هذا الأمر الذي صار عند النَّاسِ مسنونا، وبينهم معروفا، ولا يكاد يُنكره إلا القليل! بل وُجِد من ينتسب إلى العلم من يروج لهذا، ويستدل بالمنسوب للصنعاني، غافلًا عن القواعد الشرعية، والأصول المرعية.

 

أخيرًا: العلماءُ يستدل لهم لا بهم؛ فلا يُجعل قولُ عالمٍ حجةً مقابل الكتابِ والسنة؛ فقد يكون العالمُ معذورًا في اجتهاده، ولكن لا حجة في الاستشهاد به.

 

فهذا ما أحببتُ التنبيهَ عليه ناصحًا، وعن البدعة محذِّرًا؛ والله ولي المتقين.

 

كتبه:

مبارك بن خليفة بن محمد العساف

الخميس ٢٤ جمادى الآخرة ١٤٤٣هـ