الاثنين، 28 يناير 2019

الرد على الريس في طريقة تكفيره لساب الله، ولجعله شبهة المشركين الأوائل شبهة معتبرة لعبَّاد القبور.




الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون؛ وأنزل كتابه بيانا وإنذارا، وحجة وإعذارا، فقامت الحجة، وانقطعت المعذرة.
وصلى الله وسلم على خير المرسلين، الذي أقام الدين، وبلغ البلاغ المبين، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

أما بعد:
فقد استمعت لمقطع مرئي للدكتور عبد العزيز بن ريس الريس، في محاضرة له بدولة الكويت بتاريخ ٢٥ربيع الثاني ١٤٤٠هـ
يقرر فيها عدم عذر ساب الله لأنه ينافي المحبة والتعظيم، ويعذر عباد القبور الذين جعلوا بينهم وبين الله وسائط لأنهم قصدوا التعظيم!
ولي مع هذا التقرير الإرجائي وقفات، وهي مختصرة، والمراد منها التنبيه على خطورة هذا التقرير، والحذر من هذه العقيدة المضادة لعقيدة السلف، المحادة لكتاب الله وسنة رسوله.



الوقفة الأولى:
قرر الريس كفر ساب الله وعدم عذره بالجهل، وهذا حق لا مرية فيه، ولكن المشكلة في منشئ التكفير، فهو جعل المرجع في ذلك عدم التعظيم والمحبة، وليس كونه كفرًا ظاهرًا، فعاد تكفيره إلى القلب!
كما يقرر المرجئة التكفير بالقلب والقصد.
بينما أهل السنة يُكَفّرون بالأمرين، ولذلك من مقتضى كون الإيمان قولًا وعملًا عند أهل السنة، يَكْفُر سابُّ الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وإن من سب الله أو رسوله كفر ظاهرًا وباطنًا، سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلًا أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.أهـ)
الصارم المسلول [ ٣٦٦ ط: دار الكتب العلمية]

قلتُ: فتبيَّن الفرق بين تكفير أهل السنة للساب، وبين تكفير الريس له.

وحصر الريس تكفير الساب بكونه ينافي التعظيم، وأن عابد القبر معذور لأنه يقصد التعظيم، هو مذهب غلاة المرجئة الذين حصروا التكفير بالقلب والقصد!
وهذا مذهب باطل، ترده نصوص الكتاب والسنة، وإجماع علماء السنة، ولذلك
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -:
"وبالجملةِ فمن قال أو فعل ماهو كفرٌ كَفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكونَ كافرًا؛ إذْ لا يقصد الكفرَ أحدٌ إلّا ماشاء الله."
 الصارم المسلول
[١٢٨ ط: دار الكتب العلمية]

وتقرير الريس ردٌّ على كتاب الله وسنة رسول الله، ولعلي أكتفي بثلاث آيات فقط تدل على ما ذكرنا من عدم اشتراط القصد بكون الفعل كفرًا، وعدم نفع التعظيم دون التزام التوحيد، بل المهم هو قصد الفعل عند أهل السنة.
قال تعالى:﴿فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ [الأعراف: ٣٠]
قال ابن جرير:
إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة ، إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة ، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله ، وظهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك ، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق ، وأن الصواب ما أتوه وركبوا .

وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها ، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها ، فيركبها عنادا منه لربه فيها . لأن ذلك لو كان كذلك ، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد ، وفريق الهدى ، فرق . وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .أهـ)
قلتُ: لكن المرجئة جمعوا المتناقضات؛
وكذبوا على الله!
فجعلوا من حقت عليه الضلالة من أهل الهداية!!

وقال تعالى: ﴿أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَناۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَیۡهِمۡ حَسَرَ ٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ﴾ [فاطر: ٨]

قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به، وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان، فرآه حسنًا فحسب سيىء ذلك حسنًا، وظن أن قبحه جميل، لتزيين الشيطان ذلك له.أهـ)

ومما يدل على أن مجرد المحبة والتعظيم لا تفيد شيئا في الذي يفعل الشرك الأكبر قوله تعالى:
﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللَّهِ أَندادًا يُحِبّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ...
إلى قوله:
وَما هُم بِخارِجينَ مِنَ النّارِ﴾
 [البقرة: ١٦٥-١٦٧]
فأثبت الله لهم محبة له، ومع ذلك حكم عليهم بالخلود في النار، لأنهم مشركون.
وغيرها من الآيات كثير.
ونحن نسأل الريس ومن سلك هذا السبيل المنحرف عن صراط الله:
هل عابد القبر من أهل الهدى أو من أهل الضلالة؟
فإن قلتَ هم من أهل الهداية فقد صححتَ الشرك وعبادة غير الله، وهذا أعظم الكفر، وإن قلت من أهل الضلالة فقد شهدت على نفسك بضلال مذهبك، لأنهم إن كانوا ضالين فالآية تنطبق عليهم وليسوا معذورين بنص القرآن.
والناس كما في الآية قسمان:
فريق هداه الله، وفريق حقت عليه الضلالة؛ لا ثالث لهما.
فتأمل!

الوقفة الثانية.
قرر الريس - بعد أن كفّر الساب على طريقته الإرجائية - عُذْرَ عباد القبور بالجهل، لأن عباد القبور عندما يذبحون لغير الله يكونون معذورين، لأنهم فعلوا ذلك تعظيمًا لله!!!
فتكون عندهم شبهة فيُعذرون!!!
سبحان الله عما يصفون!
وسبحان الله عما يشركون!
وسبحان الله عما يقرره المرجئة المعاصرون!
فالرد عليه من وجهين:
الوجه الأول:
أن هذه عين شبهة المشركين الأوائل، ومع ذلك كفرهم الله، فكيف يُقال بأنها شبهة معتبرة، والله عز وجل لم يجعل لها اعتبارا في كتابه؟!!
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر]

وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[الأنعام]

فالله سبحانه سماهم في الآيتين كاذبين كافرين، ولغير الله عابدين، مع أنهم جعلوا هذه الوسائط بينهم وبين الله بحجة أنها أقرب إلى الله، تعظيمًا له سبحانه!!
بل إن الله - جل في علاه - ذكر في نفس السورة التي فيها الآية الأولى في سورة الزمر أن المشركين جاهلون ولا يعلمون، ومع ذلك هم مشركون كافرون.
قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا الحَمدُ لِلَّهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ﴾ [الزمر: ٢٩]
وقال تعالى: ﴿قُل أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأمُرونّي أَعبُدُ أَيُّهَا الجاهِلونَ﴾ [الزمر: ٦٤]
فكيف يُعتذر لمن كفرهم الله، وكيف يُعتذر لمن جعل شبهة كفار قريش حجةً له؟!!
سبحان الله وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا.
قال شيخنا العلامة صالح الفوزان - حفظه الله -:
" ومن الشبه التي تعلقوا بها : قضية الشفاعة؛ حيث يقولون: نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله ؛ لأنهم أهل صلاح ومكانة عند الله؛ فنحن نريد بجاههم وشفاعتهم .
والجواب: أن هذا هو عين ما قاله المشركون من قبل في تسويغ ما هم عليه، وقد كفَّرهم الله، وسمَّاهم مشركين ؛ كما في قوله تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ )أهـ.
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد [ص ٧٠ - ٧١]

فإن قالوا هذه الآيات في الكفار الأصلين دون المرتدين، فيقال لهم: سبحانك هذا بهتان عظيم!!
فإن الله عز وجل لم يذكر أنها خاصة بالكفار الأصلين دون المرتدين، بل هذا حكمٌ في كل من عمل هذا العمل، والقول بأن الآيات في الأصليين دون المرتدين، تحريفٌ للكلم عن مواضعه، وكذبٌ على الله ورسوله، وتحكم في كتاب الله، وقول بغير علم، وطريق هلاك وضلال.
ولذلك العلماء لم يفرقوا في الحكم في الذي يفعل الشرك بين مرتد وأصلي بالإجماع، بل اسم الشرك يلحق كل من وقع فيه، كما سيتبين في الوجه الثاني.

الوجه الثاني:
من قال من أهل السنة إن الذين يتخذون وسائط بينهم وبين الله ليسوا كفَّارًا لكونهم يعظمون الله؟!!
من سبق الريس بهذه الطامة، التي جعلت من شبهة المشركين الأوائل شبهة معتبرة؟!!
لم يسبق أحدٌ من أهل السنة الريس في هذه الطامة - وحاشاهم منها -.
فلذلك من عرف الرجل وتقريراته، علم أنه يُحدث قواعد من عنده، وتقريرات من فهمه، وينسبها للسنة، وبعد ذلك تقوم قيامة الولاء والبراء على ما أحدث، عنده وعند أتباعه!!!
بل إن أهل السنة أجمعوا على كفر هؤلاء من غير إعذارهم بكونهم يعظمون الله بفعلهم، فكفار قريش كان هذا مقصدهم ولم ينفعهم.
بل إن أهل السنة سموا عاذرهم ضالا، ومرجيا، وهذه بعض النقول، من الأئمة الفحول، في هذه المسألة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى [١/ ١٢٦]:
"وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجّاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم والناس يسألونهم، أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا لله أندادًا".

وقال: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين".
مجموع الفتاوى [١/ ١٢٤]

فهنا شيخ الإسلام نقل الإجماع على كفرهم، ولم يذكر التعريف قبل التكفير، بل جعل الاستتابة بعد وصفهم بالشرك والكفر، فالتعريف في الشرك يكون لإقامة العقوبة فقط.

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ٤ /٥٤ وهو في الانتصار لأهل الأثر ص٧٧:
 وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال : إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها؛ لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين؛ بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بُعِث بها وكفر مخالفها؛ مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله، من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك؛ فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل أمره بالصلوات الخمس وإيجابه لها وتعظيم شأنها ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك.أهـ)

قلتُ: فهذا نقل صريح من شيخ الإسلام في التفريق بين الخفي والظاهر، وعدم اعتباره اتخاذ الوسائط والشرك بعمومه مسألة خفية تقام فيها الحجة!
فتعسًا لمذهب المرجئة، كيف يعرف اليهود أن النبي ﷺ جعل اتخاذ الوسائط شركاً بالله، وكفّر فاعلها، وجهل ذلك المرجئة.


وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في رسالته نواقض الإسلام، - ونواقض الإسلام تكون فيمن ينتسب للإسلام -:
الناقض الثاني:
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعًا.)
وقال في آخر النواقض: ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره. أهـ)
فانظر إلى تقرير أئمة التوحيد في هذه المسألة: التكفير بالإجماع، وعدم العذر إلا للمكره فقط.
بل إن الفقهاء في باب المرتد لا يذكرون التعريف في الشرك، لأن صاحبه يكفر مباشرةً، وهذا مثال على ذلك:
قال الحجاوي في الزاد:
باب حكم المرتد: وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة وولدا، أو جحد بعض كتبه أو رسله، أو سب الله أو رسوله فقد كفر.)
قلتُ: انظر لم يذكر التعريف هنا، وإنما حكم بالكفر مباشرة.
بينما بعد أن ذكر السمعيات ذكر التعريف بشرط أن يكون مثله يجهل، فقال:
ومن جحد تحريم الزنا، أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها بجهل عُرّف ذلك، وإن كان مثله لا يجهله كفر. أهـ)

والفقهاء تناقلوا جملة شيخ الإسلام في كتب الفقه إقرارا لها، وهي قوله بتكفير من اتخذ الوسائط إجماعا مع عدم ذكر التعريف في هذا الموضع.
ولم يعتذروا لعباد القبور بهذه الأعذار الشيطانية.
ولذلك حكم أهل السنة على من يعتذر لهم بالضلال، قال العلامة عبد الله أبا بطين - رحمه الله -:
كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد ، فهو مشرك كافر بلا شك ، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ؛ ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام ، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل ، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد ، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ، لم يقدموا عليه ، فكفرهم جميع العلماء ، ولم يعذروهم بالجهل ، كما يقول بعض الضالين : إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال .
الدرر السنية [١٠/٤٠٥]

وسموه مرجيًا، سُئل شيخنا العلامة صالح الفوزان - وأنا أسمع -:
فضيلة الشيخ - وفقكم الله - يقول: هل كل من يعبد القبور ويكون من أهل القبور يعد كافرا بعينه؟
فأجاب: عندك شك في هذا، الذي يعبد القبور ما يكون كافرا، إذًا ما هو الشرك وما هو الكفر؟!!
هذه شبهة روجها في هذا الوقت المرجئة، روجها المرجئة، فلا تروج عليكم أبدا.أهـ)
من درس ليلة الأربعاء ٢٩ جمادى الأولى ١٤٣٤هـ

الوقفة الثالثة:
إن عباد القبور ينتسبون إلى الإسلام، فيعني ذلك لزوما أن بعثة النبيﷺ بلغتهم، والقرآن قد بلغهم، فكيف يكونون معذورين والله جعل الرسل والكتب حجة على الناس!
قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ لِئَلّا يَكونَ لِلنّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزًا حَكيمًا﴾ [النساء: ١٦٥]

وقال تعالى: ﴿ وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾ [الإسراء: ١٥]

وقال تعالى عن القرآن:
﴿قُل أَيُّ شَيءٍ أَكبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهيدٌ بَيني وَبَينَكُم وَأوحِيَ إِلَيَّ هذَا القُرآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُم لَتَشهَدونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخرى قُل لا أَشهَدُ قُل إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّني بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ﴾ [الأنعام: ١٩]

وقال تعالى:
﴿هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَلِيُنذَروا بِهِ وَلِيَعلَموا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلبابِ﴾ [إبراهيم: ٥٢]
وقال النبي : والقرآن حجة لك أو عليك.
أخرجه مسلم.

فالله جعل القرآن والرسل حجة على العالمين، فلا عذر بعدهما، ونُقل الإجماع على ذلك، قال العلامة ابن معمر - رحمه الله -: قد أجمع العلماء أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحجة عليه قائمة.
الدرر السنية [٧٢ / ١١]
ونقل الإجماع غيره من أهل العلم.

ولكن المرجئة يحادون الله ورسوله، ويخالفون الإجماع، ويقولون: لابد من التبيين، وتوضيح المبين!
وكأن القرآن ألغاز وأحاجي!
نعوذ بالله من الخذلان.
وكما قال حمَّاد بن زيد - رحمه الله - عن الجمهية:
إنما يدور كلام الجهمية على أن يقولوا: ليس في السماء شيء.أهـ)

أقول: وكلام مرجئة عصرنا عاذري عبَّاد القبور يدور على أن القرآن ليس حجةً ولا بيانًا ولا نذيرًا.
نعوذ بالله من حالهم.

والقرآن كما قال ابن عباس - رضي الله عنه -: التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها، وتفسير لاَ يُعذر أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لاَ يعلمه إلا الله تعالى ذكره.أهـ)
وهذا الأثر ذكره ابن جرير في مقدمة تفسيره [١ / ٣٤ط: الحلبي]
 وتناقله المفسرون في تفاسيرهم.

قال الزركشي في البرهان شارحًا هذا الأثر:
(..وأما ما لا يعذر أحد بجهله: فهو ما تبادر إلى الأفهام معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى، فهذا القسم لا يلتبس تأويله، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ـ أنه لا شريك له في الألوهية وإن لم يعلم أن لا موضوعة في اللغة للنفي، وإلا موضوعة للإثبات وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر..)

الوقفة الرابعة:
إن الريس مكثرٌ من ترديد هذه المسألة، وهي شغله الشاغل، فما إن ينزل في مكان غالبًا إلا فرّق أهله، وشتت شمله، وأضعف الدعوة السلفية بسبب شبهاته وإرجائه.
فياليته عظّم التوحيد حق التعظيم، وجمع الناس عليه، وكفى الناس من شر تقريراته التي فرّقت الجموع، وشتت الجهود.
والله المستعان.



الوقفة الخامسة:
إن من نتيجة هذه التقريرات الإرجائية:
١- هدم التوحيد، إذ إن تكفير الكافر شطر كلمة التوحيد، وعدم تكفير الكافر هدم لهذه الكلمة.
٢- عدم الكفر بالطاغوت الذي هو شطر كلمة التوحيد على الوجه الذي أراده الله من عباده.
٣- هدم عقيدة الولاء والبراء، لأن عدم تكفير المشرك عابد القبر يلزم منه شيء من الولاء لأنه مسلم عندهم، ويلزم منه شيء من البراء للسني الذي يُكفّر عابد القبر، كما هو الحاصل من تبديع المرجئة لأهل السنة، وتسميتهم حدادية وخوراج..الخ)
فتبًّا لمذهب يُقرّب المشركين، ويُبعد السلفيين الموحدين! فحقًا إن المرجئة: مجادلون عن عباد القبور.
ولذلك ألفّ العلامة أبابطين كتابه سماه: "الانتصار لحزب الله الموحدين، والرد على المجادل عن المشركين."
ولكل قوم وارث، فهؤلاء المرجئة يرددون شبهات أعداء الدعوة ابن جرجيس وابن منصور وأمثالهم!!
٤- أنها اعتراض على قدر الله وحكمته، فالله قسم الخلق قسمين إلى كافر ومؤمن، فالمؤمنون كتب لهم الهداية فضلا، والكافرون حقت عليهم الضلالة عدلا، والمرجئة اعترضوا على حكمة الله وقدره، فجعلوا أهل الضلالة أهلا للهداية!
تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.

فنعوذ بالله من الخذلان، ومن الخيبة والخسران، ونسأله الثبات حتى نلقاه.
وإني أدعو الريس وأمثاله ممن جعلوا حياتهم منافحةً عن عباد القبور، وزنادقة العصور، أن يتوبوا لربهم، ويرجعوا عن قولهم، قبل حلول الأجل، وفوات الأمل، وعندها لات حين مندم.

اللهم أحيينا على التوحيد والسنة، واقبضنا على التوحيد والسنة، هذا آخر البيان والحمد لله رب العالمين.

كتبه: مبارك بن خليفة بن محمد العساف.
الاثنين ٢٢ / ٥ / ١٤٤٠هـ