السبت، 19 يناير 2019

الفوائد المختارات، من شرح ابن تيمية لحديث: "إنما الأعمال بالنيات".







الحمد لله الذي أمرنا بإخلاص النية والتوحيد، وأرسل رسوله بالنهي عن الشرك والتنديد.
أما بعد:
فإن من أجلِّ القربات، وأعظم الطاعات، التفقه في دين الله، ففيه الفضل العظيم، والخير العميم، "فمن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين"؛ ومن الفقه في دين الله: الفقه في أحاديث رسول الله، ومعرفة الطريق الذي به يكون التفقه فيها، وذلك بالاطلاع على شروح أئمة الهدى، وأنوار الدجى، الذين عرفوا بالعلم الصحيح، والفهم السليم، وطول الباع، وسعة الاطلاع، ومعرفة الخلاف والإجماع، ومنهم: شيخ الإسلام، ناصر السنة، غصة حلوق أهل البدعة، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، فهو الإمام الفقيه، والمحدث المفسر، المتفنن في علوم الدين، المجتهد الذي ملأ الدنيا علمًا، وأفاض من خير مارزقه الله فهمًا، فلذلك كانت شروحه محل اهتمام العلماء، واختياراته مكان عناية الفقهاء.
وشيخ الإسلام قد اعتنى بشروح بعض الأحاديث مفردة، لجليل قدرها، وعظيم فوائدها، ومنها شرحه لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" فقد أفرده بالشرح والإفادة.
ومن هذا المنطلق جمعتُ فوائد من شرحه لحديث "إنما الأعمال بالنيات"، لينتشر فضلها، ويعم خيرها، ولا تكفي هذه الفوائد عن الرجوع للشرح، ففيه فوائد لا يسع الاختصار ذكرها، وتأصيلات لا ينبغي إلا الرجوع لأصلها.
وقبل ذكر الفوائد هذه مقدمة عن الحديث وشروحه مما ذكره محقق الرسالة الشيخ محمد عزيز شمس مختصرًا:
أولًا:  هذه النسخة فريدة بخط المؤلف.

ثانيًا:هذا الشرح قد طبع في طبعة سابقة حققها الشيخ محمد منير الدمشقي وعليها اعتمد في مجموع الفتاوى وفيها نقص وتحريف.
وقد نفى الدمشقي في طبعته كون المقدمة للشرح من كلام شيخ الإسلام للتسجيع الذي فيها، ونسبها لأحد طلابه، ولكن المحقق محمد عزيز شمس أثبتها لشيخ الإسلام لأنها بخط يده كما في هذه المخطوطة التي اعتمد عليها في هذا الكتاب.

ثالثًا:هذا الحديث اعتنى بشرحه العلماء، إما بكونه داخلًا في أحد المتون العلمية، وإما بإفراده بالشرح، كما فعل ذلك جملة من العلماء، ذكر المحقق أربعة وعشرين شرحا مفردًا له، ستة عشر شرحا ذكرها مذكورة في كتاب: (التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف) للأستاذ يوسف العتيق، وزاد المحقق ثمانية شروح لم يذكرها العتيق.
رابعًا: ذكر ابن عبد الهادي في العقود الدرية شرح شيخ الإسلام لهذا الحديث.


وإليك أيها القارئ الكريم، هذه الفوائد المجموعة التي كتبتُها بنص كلام المؤلف، وقد أختصر وأتصرف بما لا يغيّر المعنى، لضرورة الاختصار .

الفائدة الأولى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فهذه الثلاث هي من أعماله الباقية بعد ميتته، بخلاف ما ينفعه من غير هذه الثلاث، كدعاء من يدعو له ويبذل عنه شيئًا من عتقه وصدقته، فإن ذلك ليس من سعي الميت بل ينفعه الله به كما ينفعه بدعاء نبيه وشفاعته، وكما يُلحق بالمؤمن من يدخله الجنة من ذريته.
ص ١٧

الفائدة الثانية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأصل العمل الصالح هو إخلاص العبد في نيته، فإن الله أرسل الرسل وأنزل الكتاب ليعبد الله وحده، فإنه إنما خلق الجن والإنس لعبادته.
ص ١٧

الفائدة الثالثة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولما كانت النية أساس الأعمال كان السلف يستحبون أن يستفتحوا بها مجالسهم وكتبهم وغير ذلك؛ ويستحبون الاستفتاح بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" في أول الأمر وبدايته، فنجري في ذلك على منهاجهم إذ كانوا أفضل جيش الإسلام ومقدمته.
ص ١٨

الفائدة الرابعة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث "إنما الأعمال بالنيات" :
هذا حديث صحيح متفق على صحته، تلقَّتْه الأمة بالقبول والتصديق مع أنه من غرائب الصحيح، فإنه وإن كان قد رُوِي عن النبي من طرق متعددة كما جمعها ابن منده وغيره من الحفاظ، فأهل الحديث متفقون على أنه لم يصح منها إلا حديث عمر بن الخطاب هذا، ولم يروه عن عمر بن الخطاب إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة.
ورواه عن يحيى بن سعيد أئمة الإسلام، يقال: إنه رواه عنه نحو من مئتي عالم.)

فائدة:
قال المحقق: حكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مئتان وخمسون نفسًا، كما في فتح الباري: ١ / ١١
نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء ٥/ ٤٧٦ - ٤٨١ عن ابن منده أسماء الذين رووا هذا الحديث عن يحيى بن سعيد فبلغ ٣٣٧ شخصًا.
ص ١٩ - ٢٠ مع الهامش.

الفائدة الخامسة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا الحديث نظائر من غرائب الصحاح، مثل حديث ابن عمر عن النبي أنه نهى عن بيع الولاء وهبته، أخرجاه في الصحيحين، قالوا: تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
ومثل حديث أنس عن النبي أنه دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فقيل: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال:  اقتلوه. أخرجاه في الصحيحين. قالوا: تفرد به الزهري عن أنس، وقيل: تفرد به مالك عن الزهري، وقيل: تابعه عليه غيره.)

فائدة:
قال المحقق: تابع مالكًا أكثر من ستة عشر شخصًا ذكرهم الحافظ في الفتح: ٦٠/٤ ولكن ليس من طرقه على شرط الصحيح إلا طريق مالك.
ص ٢٠ - ٢١ مع الهامش.

الفائدة السادسة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والحديث الغريب في اصطلاح أهل الحديث ما انفرد به واحد، وقد يكون غريب المتن، وقد يكون غريب الإسناد، مثل أن يكون متنه صحيحًا من طريق معروفة، وقد رُوِي من طرق أخرى غريبة.
ص ٢١

الفائدة السابعة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والأحاديث الغرائب منها ماهو صحيح، وغالبها غير صحيح، كما قال الإمام أحمد: "اتقوا هذه الغرائب، فإن عامتها عن الكذابين."
ولهذا يقول الترمذي في بعض الأحاديث: إنه غريب من هذا الوجه.
ص ٢١ - ٢٢

الفائدة الثامنة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والترمذي أول من قسّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، هذا التقسيم لم يُعرف قبله عن أحد من علماء الحديث، لكن كانوا يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف، كما يقسمون الرجال إلى ضعيف وغير ضعيف؛ والضعيف عندهم نوعان: ضعيف لا يُحتج به، وهو الضعيف في اصطلاح الترمذي، والثاني ضعيف يُحتج به، وهو الحسن في اصطلاح الترمذي.
كما أن ضعف المرض عند الفقهاء نوعان: نوع يجعل تبرعات صاحبه من الثلث، كما إذا صار صاحب فراش، وضعفٌ يكون تبرعات صاحبه من رأس المال، كالمرض اليسير الذي لا يقطع صاحبه.
ص٢٢

الفائدة التاسعة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا يوجد في كلام الإمام أحمد وغيره من العلماء أنهم يحتجون بالحديث الضعيف، كحديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري وغيرهما، فإن ذلك الذي سماه أولئك ضعيفًا هو أرفع من كثيرٍ من الحسن، بل هو مما يجعله كثيرٌ من الناس صحيحًا.
والترمذي قد فسّر مراده بالحسن أنه ما تعددت طرقه، ولم يكن فيه متهم، ولم يكن شاذًّا.
ص ٢٢ - ٢٣

الفائدة العاشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والمعنى الذي دلَّ عليه هذا الحديث -(إنما الأعمال بالنيات) - أصل عظيم من أصول الدين، بل هو أصل كل عمل من الدين، ولهذا كانوا يقولون: مدار الإسلام على أحاديث يجعلون هذا منها، كقول الإمام أحمد: الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث: (إنما الأعمال بالنيات)، (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، (الحلال بيّن والحرام بيّن).
ووجه هذا الحصر أن الدين فعل ما أمر الله به وترك مانهى الله عنه، فحديث الحلال والحرام فيه بيان مانهى الله عنه، والذي أمر الله به نوعان: أحدهما العمل الظاهر وهو ماكان واجبًا أو مستحبًّا، والثاني العمل الباطن وهو إخلاص الدين لله، فقوله: "من عملا عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ينفي التقرب إلى الله بغير ما أمر الله به أمر إيجاب أو أمر استحباب، وقوله: " إنما الأعمال بالنيات" يبيّن العمل الباطن، وأن التقرب إلى الله إنما يكون بإخلاص الدين لله.
٢٣ -٢٤ باختصار يسير.

الفائدة الحادية عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لفظ " النية" في لغة العرب من جنس لفظ القصد والإرادة ونحو ذلك؛ كما تقول العرب: نواك الله بخير، أي: أرادك بخير.
والنية يُعبّر بها عن نوع من الإرادة، ويُعبّر بها عن نفس المراد، كقول العرب: هذه نيتي، يعني هذه البقعة هي التي نويت إتيانها.
لكن بعض الناس من يقول: إنها أخص من الإرادة، فإن إرادة الإنسان تتعلق بعمله وعمل غيره، والنية لا تكون إلا لعمله، فإنك تقول: أردتُّ من فلان كذا، ولا تقول: نويت من فلان كذلك.
٢٥ - ٢٦ باختصار.

الفائدة الثانية عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد تنازع الناس في قوله: " إنما الأعمال بالنيات": هل فيه إضمار أو تخصيص؟ أو هو على ظاهره وعمومه؟
فذهب طائفة من المتأخرين إلى الأول، قالوا: لأن المراد بالنيات النياتُ الشرعية التي تجب أو تستحب، والأعمال كلها لا تشترط في صحتها هذه النيات، كقضاء الحقوق الواجبة، فتبرأ الذمة وإن لم يكن له في ذلك نية شرعية.
ثم قال بعض هؤلاء: تقديره: إنما ثواب الأعمال، أو إنما تقبل الأعمال، أو إنما الأعمال الشرعية، أو إنما صحة الأعمال الشرعية، أو إنما إجزاؤها، ونحو ذلك.
وقال الجمهور: بل الحديث على ظاهره وعمومه، فإنه لم يُرد بالنيات في هذا الحديث النية الصالحة وحدها، بل أراد النية المحمودة والمذمومة، لأنه ذكر في الحديث النية المحمودة بالهجرة إليه، والمذمومة بالهجرة إلى امرأة أو مال.
ص ٢٦ - ٢٧ باختصار وتصرف.

الفائدة الثالثة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد رُوِي أن سبب هذا الحديث: أن رجلًا كان قد هاجر من مكة إلى المدينة لأجل امرأة يُحبّها اسمها أم قيس، وكانت هجرته لأجلها، فكان يُسمّى مهاجر أم قيس، ولهذا ذكر النبي في هذا الحديث: "ومن كانت هجرته إلى دنيا أو امرأة " فخصّ المرأة بالذكر لاقتضاء سبب الحديث لذلك.
والسبب الذي خرج عليه اللفظ العام لا يجوز إخراجه منه باتفاق الناس.
ص٢٨
قلتُ: قصة مهاجر أم قيس ثابتة، ولكن هل هي سبب ورود هذا الحديث؟
اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال بأنه سبب ورود هذا الحديث ومنهم ابن دقيق العيد، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في هذا الموضع ومواضع أخر، وغيرهما من أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أنها ليست سبب ورود الحديث لأن روايات الحديث بمجموعها لم يُذْكر فيها هذه القصة، وذهب لهذا ابن رجب، وكذلك ابن حجر، وغيرهما، والله أعلم.

الفائدة الرابعة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والهجرة في الظاهر هي: سفر من مكان إلى مكان، والسفر جنس تحته أنواع مختلفة تختلف باختلاف نية صاحبه، فقد يكون سفرًا واجبًا كسفر الحج والجهاد المتعين، وقد يكون محرمًا كسفر العادي يقطع الطريق والباغي والعبد الآبق والمرأة الناشز.
ولهذا تكلم الفقهاء في الفرق بين العاصي بسفره والعاصي في سفره، فإن سافر سفرًا مباحًا جاز له فيه القصر والفطر باتفاق الأئمة الأربعة وإن عصى في السفر، وأما إذا كان عاصيًا بسفره كالمسافر لقطع الطريق ففيه نزاع معروف؛ فمذهب مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز له القصر والفطر، ومذهب أبي حنيفة يجوز له ذلك.
ص ٢٨ - ٢٩ باختصار وتصرف يسير.

الفائدة الخامسة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وهذا الحديث - "إنما الأعمال بالنيات" - من أجمع الكلم الجوامع التي بُعِث بها ﷺ، فإن كل عمل يعمله عامل هو بحسب مانواه، فإن قصد بعلمه مقصودًا حسنًا كان له ذلك المقصود الحسن، وإن قصد به سيّئًا كان له مانواه.
ص ٢٩

الفائدة السادسة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولفظ النية يُراد بها النوع من المصدر، ويُراد بها المنوي، واستعمالها في هذا لعله أغلب في كلام العرب، فيكون المراد: إنما الأعمال بحسب مانواه العامل، أي: بحسب منْويِّه؛ ولذلك قال ﷺ في تمامه: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" فذكر ماينويه العامل ويريده بالعمل، وهو الغاية المطلوبة له؛ فإن كل متحرك بالإرادة لابدّ له من مراد.
ص ٢٩ - ٣٠

الفائدة السابعة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولفظ النية يجري في كلام العلماء على نوعين: فتارةً يريدون بها تمييز عمل عن عمل، وعبادة عن عبادة، وتارةً يريدون بها تمييز معبود عن معبود، ومعمول له عن معمول له.
فالأول: كتكلم العلماء في النية هل هي شرط في طهارة الأحداث.
والثاني: كالتمييز بين أهل الإخلاص لله وأهل الرياء والسمعة.
ص ٣٠ - ٣١ باختصار يسير.

الفائدة الثامنة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية؛ وتنازعوا في الطهارة، مثل من يكون عليه جنابة فينساها ويغتسل للنظافة، فقال مالك والشافعي وأحمد: النية شرط لطهارة الأحداث كلها، وقال أبو حنيفة: لا تُشترط في الطهارة بالماء بخلاف التيمم.
وقال زفر لا تُشترط لا في هذا ولا في هذا.
ص ٣٢ - ٣٣

الفائدة التاسعة عشرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد: تُشترط (النية) لإزالة النجاسة، لكن هذا قولٌ شاذ؛ فإن إزالة النجاسة لا يُشترط لها عمل العبد، بل تزول بالمطر النازل، والنهر الجاري، ونحو ذلك؛ فكيف يُشترط لها النية؟!!
وأيضا فإن إزالة النجاسة من باب التروك لا من باب الأعمال، ولهذا لو لم يخطر بقلبه في الصلاة أنه مجتنب للنجاسة صحت صلاته إذا كان مجتنبًا لها، لهذا قال مالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوليه: إنه لو صلى وعليه نجاسة لم يعلم بها إلا بعد الصلاة لم يُعد.
ص ٣٣

الفائدة العشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فمن فعل مانُهِيَ عنه ناسيًا أو مخطئًا فلا إثم عليه، بخلاف من ترك ما أُمِر به، كمن ترك الصلاة ناسيًا فلا بدّ من قضائها
ص ٣٣ - ٣٤

قلتُ: هذه قاعدة عند الفقهاء، يقولون:
العذر في المنهيات لا المأمورات.

الفائدة الواحدة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
الوضوء هل يقع غير عبادة؟
الجمهور يحتجون بالنصوص الواردة في ثواب المتوضئ؛ كقولهﷺ: "إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء" ، وأمثال ذلك، فيقولون: كل وضوء ففيه ثواب لعموم النصوص، والثواب لا يكون إلا مع النية.
وأبو حنيفة يقول: الطهارة شرط من شرائط الصلاة، فلا تشترط لها النية كاللباس وإزالة النجاسة، والجمهور يقولون: اللباس والإزالة يقعان عبادة وغير عبادة، ولهذا لم يرد نص بالثواب على جنس اللباس والإزالة، ووردت في جنس الوضوء.
ويقول أبو حنيفة: النصوص وردت في الوضوء المعتاد، وعامة المسلمين يتوضؤون بالنية، والوضوء الخالي عن النية نادر لا يقع إلا مثل التعليم ونحوه؛
والجمهور يقولون: هذا الوضوء الذي اعتاده المسلمون هو الوضوء الشرعي الذي تصح به الصلاة، وما سوى ذلك لا يدخل في نصوص الشارع.
ص٣٤ - ٣٥ باختصار وتصرف يسير.

الفائدة الثانية والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما النية التي هي إخلاص الدين لله فقد تكلّم الناس في حدّها وفي حدّ الإخلاص، وكلامهم يتضمن الإخلاص في كل الأعمال.
ص ٣٥ - ٣٦ باختصار وتصرف يسير.

الفائدة الثالثة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن لم يصلِّ إلا بوضوء واغتسال، فإنه لا يفعل ذلك إلا لله، ولهذا قال ﷺ فيما رواه أحمد وابن ماجه عن ثوبان عن النبيﷺ: "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"؛ فإن الوضوء سرٌّ بين العبد وبين الله، وقد ينتقض وضوؤه ولا يدري به أحد؛ فإذا حافظ عليه فلم يحافظ عليه إلا لله، ومن كان كذلك لم يكن إلا مؤمنًا.
ص ٣٦ - ٣٧ بتصرف يسير.

الفائدة الرابعة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والإخلاص في النفع المتعدي أقلُّ منه في العبادات البدنية.
ص ٣٧

الفائدة الخامسة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
النية محلها القلب باتفاق العلماء، فلو نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم.
ص ٣٨

الفائدة السادسة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد خرّج بعض أصحاب الشافعي وجهًا من كلامٍ للشافعي غَلِط فيه عليه، فإن الشافعي ذكر الفرق بين الصلاة والإحرام بأن الصلاة في أولها كلام، فظنَّ بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية، وإنما أراد التكبير.
ص ٣٩

الفائدة السابعة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد أن يفعله فلا بدّ أن ينويه ضرورة، كمن قُدّم بين يديه طعام ليأكله، فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بدّ أن ينويه؛ وإنما يُتصوّر عدم النية إذا لم يعلم ما يريد، مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة.
ص ٣٩ باختصار

الفائدة الثامنة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لو تكلّم بلسانه بشيء وفي قلبه خلافه كانت العبرة بما نواه لا بما لفظه.
ص ٣٩

الفائدة التاسعة والعشرون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
النية مع العلم في غاية اليسر، لا تحتاج إلى وسوسة، ولهذا قال بعض العلماء: الوسوسة إنما تحصل من جهل بالشرع أو خبل بالعقل.
ص ٣٩

الفائدة الثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد تنازع الناس: هل يستحب التلفظ بالنية؟ فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب ليكون أبلغ؛ وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد: لا يُستحب، بل هو بدعة؛ فإن النبي وأصحابه لم ينقل عن أحد منهم أنه تكلم بلفظ نية؛ ولأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورةً؛ فالتكلم بها نوع من العبث والهذيان.
ص ٣٩ - ٤٠ باختصار.

الفائدة الواحدة والثلاثون:
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
واتفق العلماء على أنه لا يسوغ الجهر بالنية، لا لإمام ولا مأموم ولا منفرد، ولا يستحب تكريرها، وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سرًا: هل يكره أو يستحب.
ص ٤٠


الفائدة الثانية والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
حكى الإجماع على عدم نبوة أحد من النساء: القاضي أبو بكر ابن الطيب، والقاضي أبو يعلى، والاستاذ أبو المعالي الجويني.
ص ٤٣ - ٤٤

الفائدة الثالثة والثلاثون:
قال تعالى:
﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم﴾
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أي ليس مخلدًا في الدنيا لا يموت ولا يُقتل، بل يجوز عليه ماجاز على إخوانه المرسلين من الموت والقتل.
ونزلت يوم أحد لما قيل: إنه قُتِل، وتلاها الصديق يوم مات الرسول.
ص ٤٤ باختصار.

الفائدة الرابعة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
إذا ترك الإنسان بعض واجبات العبادة، هل يقال: بطلت كلها فلا ثواب له عليها؟ أم يقال: يُثاب على مافعله ويعاقب على ماتركه، وهل عليه إعادة ذلك؟
هذا يكون حسب الأدلة الشرعية، فمن الواجبات في العبادة ما لا تبطل العبادة بتركه ولا إعادة عليه، بل يُجبر المتروك، كالواجبات في الحج التي ليست أركانًا، وكذلك الصلاة عند الجمهور فيها واجب لا تبطل بتركه عندهم.
ولكن مالك وأحمد يقولان: إذا تركه سهوا يسجد للسهو، وإذا عمدًا بطلت.
وأما أبو حنيفة فيقول: من ترك واجبا ليس فرضا عمدًا فقد أساء ولا إعادة عليه.
والجمهور يقولون له: لا نعهد في العبادات واجبًا يترك فيها من غير بدل ولا إعادة عليه!
ومع هذا اتفقت الأئمة على أن من ترك واجبًا في الحج ليس بركنٍ ولم يجبره بدم، لم يبطل حجه ولا تحب إعادته.
ص ٤٧ - ٤٨ بتصرف واختصار

الفائدة الخامسة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فهكذا يقول جمهور السلف وأهل الحديث: إن من ترك واجبا من الإيمان الذي لا يُناقض أصول الإيمان فعليه أن يجبر إيمانه، إما بالتوبة وإما بالحسنات المكفرة، فالكبائر يتوب منها، والصغائر تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يفعل لم يحبط إيمانه.
وأصلهم أن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه، وأن الإيمان يتفاضل.
ص ٤٩ باختصار وتصرف يسير.

الفائدة السادسة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
متى ثبت في القلب التصديق بما أخبر به الرسول وحب الله ورسوله، وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة، فإنه ما أسر أحدٌ سريرةً إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فلا تستقر في القلب معرفة تامة ومحبة صحيحة ولا يكون لها أثرٌ في الظاهر.
ص ٥٢

الفائدة السابعة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لفظ الإيمان تختلف دلالته بالاطلاق والاقتران، فإذا ذُكر مع العمل أُريد به أصلُ الإيمان المقتضي للعمل، وإذا ذُكر وحده دخلت فيه لوازم ذلك الأصل، وكذلك إذا ذُكر بدون الإسلام كان الإسلام جزءًا منه؛ وكان كل مسلم مؤمنًا؛ وإذا ذُكر لفظ الإسلام والإيمان تميّز أحدهما عن الآخر.
ص ٥٥

الفائدة الثامنة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكثيرٌ من منازعات الناس في مسائل الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام منازعات لفظية، فإذا فُصِل الخطاب زال الارتياب.
ص٦٠

الفائدة التاسعة والثلاثون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قولهﷺ: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ليس هو تحصيلًا للحاصل، لكنه إخبار بأن من نوى بعمله شيئًا فقد حصل له مانواه؛ أي: من قصد بهجرته الله ورسوله حصل له ماقصده، ومن كان قصده الهجرة إلى دنيا أو امرأة فذلك هو الذي حصل له؛ فهذا تفصيل لقوله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، لمَّا أخبر أن لكل امرئ مانواه ذكر أن لهذا مانواه ولهذا مانواه.
ص ٦٠


الفائدة الأربعون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد قالﷺ: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا"، وقال: " لا تنقطع ما قُوتل العدو" ، وكلاهما حق، فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب، فهي مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار حرب وكفر، والإيمان بالمدينة، فلما فُتحت مكة وصارت دار إسلام ودخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار إسلام.
ص ٦٠ باختصار.

الفائدة الواحدة والأربعون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكون الأرض دار كفر أو دار إيمان أو دار فاسقين أو مؤمنين ليست صفةً لازمةً لأرض بعينها، بل هي صفة عارضة بحسب سكّانها، فكل أرض سكنها المؤمنون المتقون فهي دار أولياء الله في ذلك الوقت، وكل أرض سكنها الكفّار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض سكنها الفاسقون فهي دار الفاسقين في ذلك الوقت.
ص ٦٤

الفائدة الثانية والأربعون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
مكة لما كانت دار كفر هي في نفسها خير أرض الله، وأحب أرضٍ إلى الله، وإن كان سكانها إذ ذاك كفّارا.
وكان مقامه ﷺ ومقام من معه بالمدينة أفضل من مقامهم بمكة، لأجل الهجرة والجهاد، ولهذا كان الرباط بالثغور أفضل من المقام بمكة والمدينة.
ص ٦٤ - ٦٥ بتصرف واختصار.

الفائدة الثالثة والأربعون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أفضل الأرض في حق كل إنسان أرضٌ يكون فيها أطوع لله ورسوله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، ولما كتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلمّ إلى الأرض المقدسة، كتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدّس أحدًا، وإنما يُقدّس الرجلَ عملُه.

الفائدة الرابعة والأربعون:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فأحوال البلاد كأحوال العباد، والرجل تارة مسلمًا وتارة كافرًا، وتارةً مؤمنًا وتارةً منافقًا، وتارةً بَرًّا وتارةً فاجرًا؛ وهكذا المساكن.
ص ٦٦


الفائدة الخامسة والأربعون:
قال تعالى:﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهَدوا وَصَبَروا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِها لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه، ثم هجر السيئات وجاهد وصبر.
ص ٦٦

هذه آخر الفوائد المجموعة، من هذا الشرح النفيس، الذي أسأل الله أن يغفر ويرفع درجة صاحبه، وكل من أعان على إخراجه ونشره، وكل من قرأ واطلع، وجميع المسلمين؛ والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعه إلى يوم الدين.

وكتبه:
مبارك بن خليفة بن محمد العساف.
ضحى السبت ١٣ جمادى الأولى ١٤٤٠هـ