الاثنين، 30 ديسمبر 2019

حكم السخرية بالسنة الماضية ومسائل على الحديث القدسي: (يُؤذيني ابن آدم يسب الدهر)




أما بعد:
فإنه عند كل نهاية سنة تكثر المقاطع والمقالات والنكت التي فيها سخرية من السنة الماضية، وهذا منكر؛ لأنَّه داخلٌ في سبِّ الدَّهر الذي هو من أعظمِ المنكرات.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ".
رواه البخاري ومسلم.

والكلام على الحديث من وجوه:

الوجه الأول: معنى الحديث:
سُئل علماء اللجنة الدائمة عن معناه برئاسة الشيخ ابن باز في السؤال الثالث من الفتوى رقم:(٥٤٣٢)
 فأجابوا:

قال البغوي رحمه الله تعالى في بيان معناه: "إن العرب كان من شأنها ذمّ الدّهر وسبّه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، فإذا أضافوا إلى الدّهر ما نالهم من الشّدائد سبّوا فاعلها، فكان مرجع سبّها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سبّ الدّهر" (انتهى باختصار).

الوجه الثاني: معنى " آذى الله".
قال شيخنا العلامة صالح الفوزان: أن الله يبغض ذلك ويكرهه، لأنه تنقصٌ لله، والله يتأذى ببعض أفعال عباده وأقوالهم التي فيها إساءة في حقه، ولكنه لا يتضرر بذلك، لأنه لا يضره شيء.
ووجه كونه يتأذى بسب الدهر: لأن السبَّ يكون متوجهًا إليه، لأنه هو المتصرف سبحانه، وأما الدهر فإنما هو زمان ووقت للحوادث، ولا يتصرف ويُحدث بنفسه. أهـ باختصار وتصرف يسير.)
📚إعانة المستفيد (٢ / ١٧٤)

الوجه الثالث: حكم سب الدهر:
قال شيخنا العلامة صالح الفوزان:
مسبة الدهر على نوعين:
النوع الأول: يكون شركا وكفرا أكبر، إذا اعتقد أن الدهر هو الفاعل، لأنه جعل شريكا مع الله.
النوع الثاني: محرم ومن الشرك الأصغر، إذا اعتقد أن الفاعل هو الله، ولكنه ينسب الأذى أو الذم إلى الدهر من باب التساهل في اللفظ، فهذا من شرك الألفاظ ولو لم يقصد المعنى. أهـ باختصار وتصرف يسير. )
 إعانة المستفيد (٢ / ١٧٨)

الوجه الرابع: هل من أسماء الله الدهر؟
 قال العلامة العثيمين رحمه الله :
"الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى ، ومن زعم ذلك فقد أخطأ وذلك لسببين :
السبب الأول :
أن أسماءه سبحانه وتعالى حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسماً جامداً ( أي : لا يدل على معنى )، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات.
السبب الثاني :
أن سياق الحديث يأبى ذلك ، لأنه قال: " أقلب الليل والنهار " والليل والنهار هما الدهر فكيف يمكن أن يكون المقلَّب بفتح اللام هو المقلِّب بكسر اللام ؟!" اهـ .
📚فتاواه (١٦٣ / ١)

الوجه الخامس: حكم ذم السنة الماضية، والسخرية بها، وهو الحاصل في وسائل التواصل، كما يصور بعضهم مقاطع فيها ضحك وسخرية، كرجلين يتضاربا أحدهما السنة الجديدة والثاني السنة الماضية، فتضرب السنة الجديدة السنة الماضية !
وبعضهم يقول: هيا بنا إلى السنة السعيدة هروبا من الشقاء، مُشعرًا بذم السنة الماضية، ونحو هذه المقاطع والمقالات.
سُئل الإمام ابن باز - رحمه الله -:
قول بعض العامة: الله لا يعيدها من سنة؟
فأجاب: ما يُقال؛
الله لا يعيد هذه الشدة أو هذا الكرب، يُبيِّن الله يعافينا من هذا الكرب، ومن هذه الشدة، ومن هذا الدهر يعني الجدب والقحط.أهـ)
📚المصدر: شرح كتاب التوحيد باب من سب الدهر فقد آذى الله.

ومعنى الفتوى السابقة: لا يقل الله لا يعيدها من سنة، ولكن يقول: الله يعافينا من الشدة والكرب ونحو ذلك.

وسُئل الإمام ابن باز - رحمه الله عن قول: "الله لا يعيد هذا اليوم"؟
فأجاب: «هذا الكلام منكرٌ لا يجوز»
📚فتاواه (٢٨ / ٣٦١)


الوجه السادس: حكم قول بعض الشعراء وغيرهم: الزمن غدار وجار الوقت ونحو هذه العبارات، ومثله سنة جائرة، وسنة ظالمة، وسنة غدارة.
قال العلامة العثيمين - رحمه الله -:
وأما قول : "هذا الزمن غدار" فهذا سب؛ لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز . فتاواه (١٩٨ / ١)

الوجه السابع:
أن بعضهم يفعل ذلك - أي السخرية بالسنوات والأعوام - مع السنوات الميلادية، وهذا يُشعر بالاهتمام بها، واعتمادها وصحتها، وهذا لا يجوز.
قالت اللجنة الدائمة في جواب السؤال الثاني من الفتوى رقم ( ٢٠٧٢٢):
لا يجـوز للمسلمين التـأريخ بـالميلادي؛ لأنـه تشـبه بالنصارى ، ومن شعائر دينهم. أهـ)

فهذه بعض المسائل المهمة، أرجو نفعها، وحصول خيرها، لمن كتبها وقرأها ونشرها.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه: مبارك بن خليفة بن محمد العساف.
ضحى الاثنين ٤ / ٥ / ١٤٤١ هـ