الاثنين، 20 أغسطس 2018

أعظم أيام الدنيا يوم النحر


أعظم أيام الدنيا يوم النحر:
يوم التوحيد، والبراءة من الشرك والتنديد. 

﷽.
الحمد لله الذي جعل الحج منارةً للتوحيد، وبراءةً من أهل الشرك والتنديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى عما يشركون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير الموحدين، الذين يقومون بالتوحيد وبه يشهدون، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم يبعثون.
أما بعد:

فيوم النحر، هو يوم عيد الأضحى، وهو أفضل العيدين - وكلاهما فاضل - وهو يوم الحج الأكبر، وهو أعظم يوم عند الله،
فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:
إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ.
رواه أحمد وأبو داود واللفظ له.
فهو أعظم الأيام، لما فيه من العبادات الجليلة العظيمة، التي لا تجتمع في يومٍ غيره.
ولما فيه من إظهار التوحيد، ومخالفة المشركين، والبراءة منهم.

(ففيه للحاج):

١- التلبية وهي تلبية التوحيد، كما قال جابر - رضي الله عنه - عن تلبية الرسولﷺ: (فأهلَّ بالتوحيد)
٢- النفير من مزدلفة بعد الوقوف عند المشعر الحرام وذكر الله عنده، امتثالا لأمر الله: ﴿ فَإِذا أَفَضتُم مِن عَرَفاتٍ فَاذكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرامِ وَاذكُروهُ كَما هَداكُم وَإِن كُنتُم مِن قَبلِهِ لَمِنَ الضّالّينَ﴾ [البقرة: ١٩٨]
وهذا جاء مفسرًا في السنة بعد صلاة الفجر وقبل الإشراق؛
٣- النفير قبل الإشراق مخالفةً للشركين الذين كانوا ينفرون بعد الشروق.
قال عمر - رضي الله عنه -:
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري.
وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير.
٤- رمي الجمرة التي ما شُرعت إلا لذكر الله، قال الرسولﷺ:إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
٥- نحر الهدي الذي يتجلى ظاهرًا فيه معنى قول الله تعالى:﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ ۝ لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢-١٦٣]
٦- الحلق أوالتقصير امتثالا لأمر الله: ﴿لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسولَهُ الرُّؤيا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إِن شاءَ اللَّهُ آمِنينَ مُحَلِّقينَ رُءوسَكُم وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ فَعَلِمَ ما لَم تَعلَموا فَجَعَلَ مِن دونِ ذلِكَ فَتحًا قَريبًا﴾ [الفتح: ٢٧].
٧- الطواف، ثم السعي للمتمتع ولمن لم يسعَ من القارنين والمفردين. كما قال تعالى:
﴿ثُمَّ ليَقضوا تَفَثَهُم وَليوفوا نُذورَهُم وَليَطَّوَّفوا بِالبَيتِ العَتيقِ﴾ [الحج: ٢٩]


قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"أفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة والأول هو الصحيح؛لأنه يوم الحج الأكبر، وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنّة واتفاق العلماء والله أعلم".
(مجموع الفتاوى ٢٥ / ٢٨٨ بتصرف واختصار)

كذلك لأهل الامصار: 
١ - التكبير المقيد والمطلق.
٢ - وصلاة العيد التي هي فرض عين عند بعض العلماء.
٣ - ثم ذبح الأضاحي ضُحى يوم النحر بعد الصلاة، وهو أفضل أوقاتها بالاتفاق.
امتثالا لأمر الله تعالى:
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر﴾ [الكوثر: ٢]
وقوله تعالى:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ فَإِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسلِموا وَبَشِّرِ المُخبِتينَ﴾ [الحج: ٣٤]

فكل هذه الأعمال يظهر فيها التوحيد، والبراءة من الشرك والتنديد.
 ولذلك قال تعالى:﴿وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى النّاسِ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسولُهُ فَإِن تُبتُم فَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَإِن تَوَلَّيتُم فَاعلَموا أَنَّكُم غَيرُ مُعجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذينَ كَفَروا بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ [التوبة: ٣]

ويوم الحج الأكبر هو يوم النحر.
ففي صحيح البخاري عنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ : هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.)
وأمر الرسول ﷺ أبابكر - رضي الله عنه - قبل حجة الوداع أن يؤذن يوم النحر: لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف عريان.
(عنَْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ : أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ)
والحديث في الصحيحين.

فهو يوم التوحيد، والبراءة من الشرك والتنديد، براءة من كل مشرك، سواء كان مشركًا أصليًّا، أو مشركًا يدَّعي الإسلام.

فلذلك كان أعظمَ الأيام عند الله، فواجب علينا تعظيمه، ﴿ذلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ﴾ [الحج: ٣٢]

وهو آخر أيام العشر وأفضلها، ويغفل عن العمل الصالح فيه الكثير، بالنوم وتضيع العمل فيه، بل بتضييع أعظم الفرائض وهي الصلاة!
فعظموا هذا اليوم، بأداء العبادات الواردة فيه، فإن تعظيمه تعظيمٌ لمن عَظَّمه وهو الله جلَّ جلاله.
واستشعروا أهمية التوحيد في هذه العبادات، والبراءة من كل مشرك.
فاللهم أحيينا موحدين، واقبضنا موحدين، واحشرنا في زمرة المتقين.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

🖋مبارك بن خليفة بن محمد العساف.

ليلة عيد الأضحى ١٤٣٩هـ