من أحكامِ التَّكبير المقيَّد.
﷽
الحمد
لله عدد ماكبره المكبِّرون، والله أكبر عدد ما أهل المُهلون، لا إله إلا هو سبحانه
وتعالى عما يشركون، وصلى الله وسلم على خير من لبَّى وكبّر، وأهلّ وقلد وأشعر؛
وصحابته ومن تبعه إلى يوم المحشر.
أما بعد:
فهذه جملةٌ مفيدةٌ من أحكام التَّكبير المقيَّد، قيَّدتُها مسائل
مجموعات، تسهيلًا للوصول للمعلومات، رجاء
رفع الدرجات، وحط الخطيئات، في هذه العشر المباركات؛
فاللهم لا تحرم كاتبها وقارئها الأجر والمثوبات.
فأقول مستعينًا برب العباد، راجيًا للتَّوفيق والسداد:
المسألة الأولى:
التكبير المقيَّد عقب الصلوات المفروضات مجمعٌ عليه، فمن أنكره فقد
أنكر حكمًا شرعيًّا مجمعًا عليه.
قال الحافظ النووي -
رحمه الله -
وأما التَّكبير
المقيَّد فيشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لإجماع الأمة.
(المجموع ٥ / ٣٨)
وقالَ الحافظ ابنُ
رجب - رحمه اللهُ -:
اتفقَ العلماءُ على
أنَّه يشرعُ التكبيرُ عقيب الصلوات في هذهِ الأيام في الجملة، وليس فيه حديث
مرفوعٌ صحيحٌ، بل إنما آثارٌ عن الصحابةِ ومن بعدهم، وعملُ المسلمينَ عليه؛
وهذا مما يدل على
أنَّ بعض ما أجمعت الأمَّةُ عليه لم ينقل إلينا فيه نصٌّ صريحٌ عن النَّبيِّ ﷺ بل
يُكتفى بالعمل به.)
(فتح الباري لابن رجب ٩/ ٢٢)
وقالت اللجنة الدائمة
برئاسة الإمام ابن باز - رحمه الله - عن التَّكبير المقيَّد في الفتوى
رقم:(١٠٧٧٧):
(وقد دلَّ على
مشروعية ذلك: الإجماع وفعل الصحابة.)
المسألة الثانية:
حكم التكبير المقيد، هل واجب أو مستحب؟
قال الحافظ ابن رجب -
رحمه الله -:
قال مالكٌ في هذا
التكبير: إنَّه واجبٌ.
قال ابن عبد البر:
يعني وجوب سنَّة، وهو كما قال.
(فتح الباري لابن رجب ٩/ ٢٢)
المسألة الثالثة:
متى يبدأ التكبير المقيَّد؟
يبدأ من فجر يوم عرفة
لغير الحاج.
قال الموفق ابن قدامة
- رحمه الله - مؤيدًا هذا القول:
لأنّه إجماع الصحابة.
قيل لأحمد - رحمه الله -: بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام
التشريق؟ قال: بالإجماع، عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم -.
(المغني ٣ / ٢٨٨ - ٢٨٩ بتصرف)
وقالَ ابن رجب - رحمه الله -:
وقد حكى الإمامُ
أحمدُ هذا القولَ إجماعًا من الصحابة)
(فتح الباري لابن رجب ٩/ ٢٢)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
- رحمه الله -:
ولهذا كان الصحيح من
أقوال العلماء أن أهل الأمصار يكبرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لهذا
الحديث ولحديث آخر رواه الدارقطنى عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ولأنه
إجماع من أكابر الصحابة ، والله أعلم .
(مجموع الفتاوى ٢٤ / ٢٢٢)
وأما الحاج فيبدأ التكبير المقيد من صلاة الظهر يوم النحر.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
وأمَّا المحرمون فإنَّهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر.
( المغني ٢٨٩ / ٣)
المسألة الرابعة:
متى ينتهي التكبير المقيد؟
ينتهي بعد صلاة العصر
آخر آيام التشريق.
قالَ الإمام الموفق ابن قدامة
- رحمه اللهُ -:
فذهب إمامنا - رضي
الله عنه - إلىٰ أنَّه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التَّشريق؛
وهو قول عمر وعلي وابن عبَّاس وابن مسعود - رضي اللهُ عنهم - .)
(المغني ٣ / ٢٨٨)
وذكر الحافظ ابنُ رجب - رحمه الله - هذا القول ومن قالَ به، ثم قالَ:
(وعليه عملُ النَّاس
في الأمصارِ.)
( فتح الباري لابن رجب ٩ / ٢٦)
المسألة الخامسة:
هل يكبر المسبوق؟
في الإقناع وشرحه (٣ / ٤١٧):
و يكبر مسبوقٌ بعد
قضائه مافاته من صلاته وسلامه؛ لأنَّ التَّكبير ذكرٌ مسنون فلا يتركه المسبوق،
كغيره من الأذكار.
المسألة السادسة:
هل يُكبَّرُ المنفرد بعد صلاته الفريضة وبعد النوافل؟
قالَ ابنُ رجب - رحمه اللهُ -:
(قالَ أكثرُ العلماء:
لا يُكبّرُ عقبَ النوافل. )
(فتح الباري لابن رجب ٩ / ٢٦)
أما المنفرد إذا صلى
الفريضةَ لوحده فقد قال ابن رجب - رحمه الله -:
واختلفوا هل يُكبِّر من صلى الفرض وحده؟ على قولين:
أحدهما: لا يكبر وهو مرويٌّ عن ابن
عمر، وذكره سفيان الثوري عن أبي جعفر عن أنس.
وقال ابن مسعود: ليس
التكبير في أيام التشريق على الواحد والاثنين، التكبير على من صلى في جماعة.
وممن قال: لا يكبر
إذا صلى الفرض وحده: الثوري وأبو حنيفة وأحمد في رواية.
والقول الثاني - أن المنفرد يكبر - : هو
قول الشعبي والنخعي والأوزاعي والثوري - في رواية أخرى - والحسن بن صالح، ومالك
والشافعي وأحمد في رواية أخرى.
(فتح الباري لابن رجب ٢٧ / ٩)
وحكى ابن قدامة القول
الأول إجماعًا عن الصحابة قال: ولنا قول ابن مسعود وفعل ابن عمر، ولم يُعرف لهما
مخالفٌ من الصحابة، فكان إجماعًا
(المغني ٢٩١ / ٣)
ونقل بعدها الرواية الثانية عن أحمد التي ذكرها ابن رجب في النقل
السابق.
قلتُ: والذي يظهر في هذه المسألة أن الأمر فيها واسع، وأن الخلاف بين
العلماء واقع، ولا نص فيها فاصل، وماذكرتُه هو نحو ماذكره العلامة العثيمين - رحمه
الله - في الشرح الممتع: ٥ / ١٦٥)
المسألة السابعة:
هل يلزم أن يكبر الإمام حتى يكبر المأموم؟
قال ابن قدامة في المغني (٢٩٣ /٣):
وإذا نسي الإمام
التَّكبير كبَّر المأموم)
وفي الإقناع وشرحه (٣ / ٤١٧):
(ويُكبِّر مأمومٌ
نَسِيَه إمامُه) ليحوز الفضيلة كقول: آمين.
المسألة الثامنة:
هل يشرع للمسافرين التَّكبير بعد الصلوات؟
قال ابن قدامة - رحمه الله -
والمسافرون كالمقيمين
فيما ذكرنا.
(المغني ٣ / ٢٩١)
وقال ابن رجب - رحمه الله - :
هو قول الشعبي
والنخعي والأوزاعي والثوري - في رواية أخرى - والحسن بن صالح، ومالك والشافعي
وأحمد في رواية أخرى قال هؤلاء كلهم: يكبر في السفر والحضر، وقال أبو حنيفة: لا
يكبر المسافر إلا إذا اقتدى بالمقيم تبعًا.
(فتح الباري لابن رجب ٢٧ / ٩)
قلتُ: والقول بأن المسافر كالمقيم أرجح لعدم الدليل المفرق بينهما.
المسألة التاسعة:
هل يكبّر بعد صلاة عيد الأضحى؟
يُقال: إنَّ التكبير
عند الجمهور على الفرائض دون النوافل، وصلاة العيد مختلف في حكمها، هل هي سنة
مؤكدة أم فرض كفاية أم فرض عين؟
ولذلك اختلفوا في التكبير
بعدها.
قال ابن قدامة:
قال القاضي: ظاهر
كلام أحمد أنه يُكبِّر عقب صلاة العيد، وهو قول أبي بكر؛ لأنَّها صلاة مفروضة في
جماعة، فأشبهت صلاة الفجر، وقال أبو الخطاب: لا يسن، لأنها ليست من الصلوات الخمس،
فأشبهت النوافل، والأول أولى، لأن هذه الصلاة أخص بالعيد، فكانت أحق بتكبيره.
(المغني ٣ /٢٩٣)
قلتُ: والقول بعدم التكبير أولى، حتى لو قلنا بوجوب صلاة العيد، لأن المراد
من الصلوات المفروضات عند الجمهور الصلوات الخمس، ولعدم الدليل الخاص بصلاة العيد،
إذ أن التَّكبير لو حصل بعد صلاة العيد لنُقِل إلينا، لتوفر الدواعي لنقله.
ولذلك ممن رجح عدم
التكبير بعد صلاة العيد العلامة العثيمين - رحمه الله - مع أنه يرى بأن صلاة العيد
فرض عين.
قال الحجاوي في الزاد: (ولا يسن عقب صلاةِ عيدٍ) قال العثيمين: الضمير يعود على التكبير
المقيد؛ لأننا نتكلم عن المقيد، فلو صلى العيد، وقال: أريد أن أكبِّر، قلنا: لا
تكبّر؛ لأنَّه إذا سلّم الإمام من صلاة العيد قام إلىٰ الخطبة، وتفرغ النَّاس
للاستماع والانصات، ولا يكبرون.
ودليل هذا: أنه لم يرد عن النبيﷺ، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يكبرون عقب صلاة
العيد، وما لم يرد عن الشارع من العبادات فالأصل فيه المنع، لأن العبادة لابدّ من
العلم بأنها مشروعة.
( الشرح الممتع ١٦٩ / ٥)
المسألة العاشرة:
هل يشرع للنساء التكبير؟
قال الإمام البخاري - رحمه الله - في الصحيح مُعَلقًا:
وَكَانَتْ
مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ
بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ
الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
وكذلك النساء يكبرن
في الجماعة، وفي تكبيرهن في الانفراد روايتان كالرجال.
(المغني ٣ / ٢٩١)
ونقل ابن
رجب - رحمه الله - الاتفاق على كونهن
يكبرن إذا صلين مع الرجال جماعة، قال:
ولا خلاف في أن
النساء يكبرن مع الرجال تبعًا إذا صلين معهم جماعةً، ولكن تخفض المرأة صوتها
بالتكبير، وإن صلت منفردة ففي تكبيرها مافي تكبير الرجل المنفرد، بل هي أولى بعدم
التكبير.
( فتح الباري لابن رجب ٢٨ / ٩)
المسألة الحادية عشرة:
إذا صلت النساء جماعةً مع بعضهن هل يكبرن؟
قال ابن رجب - رحمه الله -:
وإن صلى النساء
جماعةً ففي تكبيرهن قولان أيضًا، وهما روايتان عن الثوري وأحمد، ومذهب أبي حنيفة:
لا يكبرن، ومذهب مالك والشافعي يُكبِّرن.
( فتح الباري لابن رجب ٢٨ / ٩)
قلتُ: وظاهر ترجمة البخاري كما قال ابن حجر تعميم حكم التكبير، قال البخاري:
باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بعد أن ذكر الخلافات في من
يكبر ومن لا يكبر:
وظاهر اختيار البخاري
شمول ذلك للجميع.
( فتح الباري ٣ / ١٤١)
قلتُ: والأظهر أنهنَّ لا يُكبّرن إلَّا تبعًا للرِّجال إذا صلين مع الرِّجال
جماعة، لأنّه نُقِل الاتفاقُ على مشروعيته.
المسألة الثانية عشرة:
هل يُقال التكبير المقيَّد بعد التسليم مباشرةً؟
أم بعد الاستغفار؟
أم بعد الأذكار كلها؟
اختلف العلماءُ في
ذلك، والأمر في ذلك واسع، ولكن الذي يظهر أنَّه يُقدم التَّكبير على الأذكار، عدا
الاستغفار وقول: "اللهم أنت السلام"، لأنَّه ألصق بالصلاة، وإلى هذا ذهب
العلامةُ ابن إبراهيم، والعلامةُ العثيمين.
قالَ العلامةُ محمد بن إبراهيم
- رحمه اللهُ -:
يقول الشَّيخ - يعني شيخ الإسلام ابن تيميَّة - : أتوقف في ذلك،
وتوقفه لأنَّه لم يظهر له مايستدل به تقديم هذا.
فأخذ من هذا أنه
يُقدم على الأذكار الأُخَر التي غير الاستغفار "اللهم أنت السلام")
(فتاوى ابن إبراهيم ٣ / ١٢٨)
وقالَ العلامةُ العثيمين
- رحمه اللهُ -:
واختُلف في محل هذا التكبير المقيّد، هل هو قبل
الاستغفار وقبل " الَّلهم أنت السلام" أو بعدهما؟
قال بعضُ العلماء: يكون قبل الاستغفار وقبل " الَّلهم أنت السلام ومنك السلام"
، فإذا سلّم الإمامُ وانصرف كبّر رافعًا صوته، ثم يستغفر ويقول: الّلهم أنت السلام
ومنك السلام.
والصحيح:
أن الاستغفار وقول:
" الَّلهم أنت السلام " مُقَدَّمٌ؛ لأنَّ الاستغفار وقول: "الَّلهم
أنت السلام" ألصق بالصلاة من التَّكبير، فإنَّ الاستغفار يسن عقيب الصلاة
مباشرةً. )
(الشرح الممتع ٥ / ١٦٤)
المسألة الثالثة عشرة:
صيغة التكبير.
قال الحجاوي في الزاد:
وصفته شفعًا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله
الحمد.
قال العثيمين:
وهذه المسألة فيها أقوال ثلاثة لأهل العلم:
الأول: أنه شفعٌ: الله أكبر الله
أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عللوا ذلك أنه
بـ"لا إله الا الله" يختم بوتر وكذلك "ولله الحمد"
الثاني: أنه وترٌ: الله أكبر الله
أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
وعللوا بأن يكون
تكبيره وترا.
الثالث: وتر في الأولى، شفع في
الثانية:
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
وعللوا أن التكبير
جنس واحد، والجملتان بمنزلة جملة واحدة، فإذا كبّر ثلاثا واثنتين صارت خمسا وترا،
فيكون الإيتار بالتكبير بناء على أن الجملتين واحدة.
وهذا والذي قبله من حيث التعليل أقوى.
والمسألة ليس فيها نصٌّ يفصل بين المتنازعين من أهل العلم، وإذا كان
كذلك فالأمر فيه سعة، إن شئت فكبّر شفعا، أو وترا، أو وترا في الأولى وشفعا في
الثانية.
(الشرح الممتع ٥ / ١٧٠ - ١٧١ مع تصرف واختصار)
قلتُ: لاشك أنَّ الأمر فيه واسع، بل هناك من ذكر غير هذه الصيغ، فقد قال ابن
حجر: وأما صيغة التكبير فأصح ماورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان
قال: كبروا الله، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
( فتح الباري ٣ / ١٤١)
وقال علماء اللجنة
الدائمة برئاسة ابن باز مثله كما في الفتوى رقم: (٦٠٤٣)
قلت :وقد ذهب إمامنا أحمد
بن حنبل إلى التكبير شفعًا، لأنَّه المروي عن ابن مسعود.
قال أبو داود في
مسائله (٤٢٩): قلت لأحمد: كيف التكبير؟
قال: كتكبير ابن
مسعود، يعني: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله
الحمد.
قال أحمد: يروون عن ابن عمر: يكبر ثلاثا الله أكبر الله أكبر الله أكبر، قال
أحمد: كبر تكبير ابن مسعود.
وقال ابن قدامة عن
التكبير شفعا:
وهذا قول عمر وعلي
وابن مسعود.
(المغني ٣ / ٢٩٠)
قلتُ: وهو أولى في التكبير لأنه قول اثنين من الخلفاء الراشدين، وإن كان
الأمر واسعًا.
المسألة الرابعة عشرة:
هل يستقبل الإمام القبلة أثناء التكبير أم يستقبل
الناس؟
قال في الإقناع وشرحه (٣ /٤١٨):
(ويأتي به ) أي
التكبير (الإمام مستقبل الناس) أي يلتفت إلى المأمومين، ثم يكبر لما تقدم أن النبيﷺ
(كان يقبل بوجهه على أصحابه ويقول: على مكانكم ثم يكبّر)
قلتُ: الحديث وإن كان فيه ضعف، إلا أن الأدلة تدل على أن النبيﷺ يقول
الأذكار مستقبل المأمومين، قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -:
" كان صلى الله
عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، ومنكَ
السلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ" ولم يمكث مستقبِلَ
القِبلة إلا مقدارَ ما يقولُ ذلك ، بل يُسرع الانتقالَ إلى المأمومين ، وكان
ينفتِل عن يمينه وعن يساره " .
( زاد المعاد ١ / ٢٩٥)
المسألة الخامسة عشرة:
من نسي التكبير، وخرج من المسجد ثم ذكره هل يكبر ؟
اختلف العلماء في
ذلك، فمنهم من قال لا يكبر، وهم أهل الرأي، ومنهم من قال يُكبّر ولو خرج وبَعُد،
لأنه ذكر، ومال إليه ابن قدامة في المغني.
والذي يظهر أنه
يُكبِّر وإن خرج، ولكن ما لم يطل الفصل، فتكون سنة فات محلها.
قال في الإقناع وشرحه(٤١٨ / ٣):
(أو يطل الفصل) فلا
يقضيه.
المسألة السادسة عشرة:
إذا قام من مكانه ثم ذكر أنه لم يكبر، هل يرجع أم يكبر
ماشيًا؟
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
وإن ذكره في المسجد
عاد إلى مكانه، فجلس واستقبل القبلة فكبَّر؛ وقال الشافعي: يكبر ماشيا وهذا
أقْيَس، لأنَّ التكبير ذكر مشروع بعد الصلاة، فأشبه سائر الذكر.
(المغني ٢٩٣ / ٣)
قلتُ: وقول الشافعي أرجح وأظهر في أنه يكفي عن العودة، (وأقْيس) كما ذكر ابن
قدامة.
ولكن لو عاد وجلس
فهذا أفضل، قال البهوتي - رحمه الله - في كشاف القناع:
لأن فعله جالسًا في
مصلاه سنة، فلا تترك مع إمكانها.
(كشاف القناع ٤١٨ / ٣)
المسألة السابعة عشرة:
إذا أحدث بعد الصلاة وقبل التكبير هل يكبّر؟
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
قال أصحابنا: وإذا
أحدث قبل التكبير لم يكبر عامدًا أو ساهيًا، لأنَّ الحدث يقطع الصلاة عمده وسهوه،
وبالغ ابن عقيل فقال: إن تركه حتى تكلم لم يكبر، والأولى إن شاء الله أنَّه يكبر؛
لأنَّ ذلك ذكرٌ منفرد بعد سلام الإمام، فلا تشترط له الطهارة كسائر الذكر، ولأنَّ
اشتراط الطهارة إما بنص أو معناه، ولم يوجد ذلك.
(المغني ٢٩٣ / ٣)
قلتُ: والصحيح ما قرره ابن قدامة من عدم اشتراط الطهارة، لعدم وجود الدليل
على شرطية الطهارة.
المسألة الثامنة عشرة:
حكم التكبير الجماعي.
قالت اللجنةُ الدائمةُ برئاسة الإمام ابن باز - رحمه الله - في
الفتوى رقم:(٩٨٨٧):
(التكبير الجماعي
بصوتٍ واحدٍ ليس بمشروع، بل ذلك بدعة؛ لما ثبت عن النَّبيِّ ﷺ أنه قال: "من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ "، ولم يفعله السلف الصالح، لا من
الصحابة ولا من التابعين، ولا تابعيهم، وهم القدوة، والواجب الاتباع، وعدم الابتداع
في الدين.)
قلتُ: ومما يوقع النَّاس في محذور التكبير الجماعي: التكبير في مكبرات
الصوت، فتجد الناس يتبعون المُكبِّرين في المكبرات فيكبرون جماعيًّا!
المسألة التاسعة عشرة:
تلحين وتطريب التكبير.
لاشك أن هذا العمل
محدث، ودخل على النَّاس عن طريق الصوفية ومن تأثر بهم.
فالتَّكبير يكون بغير
تلحينات وتطريبات، بل يرفع به الصوت عاديًّا.
ومثله بقية الأذكار
كأذكار الصلوات، والتلبية، وغيرها.
ولذلك تجد من يلحن
هذه التكبيرات ومن يسمعه ينشغل عن معانيها العظيمة إلى الاستمتاع بالأصوات
والتنغيمات.
والله المستعان.
فهذه جملةٌ من المسائل، أحسبها نافعة، مذكرة لمن نسيها، معلمة لمن لم
يعلمها، ومنبهة لمن غفل عنها.
والله أسأل أن ينفع بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
وكتبه: مبارك بن خليفة بن محمد العساف.
أصل المقال شهر ذي الحجة ١٤٣٨هـ
وتمت الزيادة عليه في:
السادس من شهر ذي الحجة ١٤٣٩هـ