أهل السنَّة بين كيد الخوارج
ومكر المرجئة.
﷽
أما بعد:
فإن من سنَّة الله في
عباده أن يبتلي المصلحين بالمفسدين، والمستقيمين بالمنحرفين، ليميز اللهُ الخبيثَ
من الطيب، وليعلم الصادقين من الكاذبين.
ومن ذلك: ما يفعله المبطلون مع أهل الحق من تنفير النَّاس عنهم بألقاب
وتعيّيرات، ورميهم بالتّهم المنكرات، صدًا للنَّاس عنهم، وتشويهًا لصورتهم، حتى
يهدموا الحق بالطعن في أهله.
وهيهات هيهات فالله ناصر دينه وأوليائه.
فالمبطلون على دركاتهم، من
كفار ومشركين، ومبتدعة ومنحرفين، على مر الأزمان والأوقات، تجدهم لأهل الحق
نابزين، وللنَّاس عنهم منفرين، كما فعل المشركون مع رسول رب العالمين، فقد وصفوا
رسول الله بالمجنون، والساحر صاحب الشياطين، ونادوا عليه بأنَّه من المفترين،
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاَّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وورث المشركين أقوامٌ في سب أتباع الرسول الأمين، ومنهم: أهل البدع
والضلال، فقد وصفوا أهل السنة المتبعين، بأنَّهم: حشويَّة، مجسّمة، مشبّهة.
فلبَّسوا على النَّاس
الدين، وغرّوا العوام والطغام والجاهلين.
ولكن كما قال تعالى: والعاقبة للمتَّقين.
فما ضر النَّابزون
إلاَّ أنفسهم وما يشعرون.
وفي زماننا كانت
المحنة على أهل السنَّة شديدة، بسبب شدَّة الالتباس، إذ إنَّ النَّابزين المفترين
متلبّسون بالسنَّة اسمًا، مخالفون لها واقعًا، مدعون أنَّهم مع العلماء، وفي
الحقيقة مصادمون لهم بمكر وخفاء، ولا يخفى ذلك علىٰ من أنار الله بصيرته.
ومن جنس هؤلاء: خوارج الزمان
وأتباعهم، الذين أرادوا هدم عقيدة السلف في باب السمع والطَّاعة للسلطان، فعيَّروا
أهل السنة والجماعة الذين قرَّروا هذا الأصل العظيم، بما دل عليه القرآن، وسنَّة
رسول الرحمن، فسمَّى المبطلون أهل السنَّة: غلاة الطَّاعة، بلاط السلاطين،
جاميَّة.
حتى جعلوا النَّاس يكرهون من يقرر هذا الأصل الأصيل، والله المستعان.
وادعى المبطلون أنَّهم على
عقيدة السلف، ومنهج العلماء، مع أنَّ عقيدة السلف ومنهج العلماء عليه المُعيَّرون
أهل السنّة الذين يأمرون بالسمع والطَّاعة للسلطان، في غير معصية الملك الديَّان.
ولكنَّه التَّلبيس
والتَّدليس، ولذلك تجد هؤلاء المبطلين يتمسحون بابن باز وابن عثيمين، وابن فوزان
وبقية العلماء المصلحين، ويطعنون في غيرهم ممن يقرر أصل السمع والطَّاعة!
مع أن ابن باز والعثيمين وابن فوزان والعلماء أجمعين، يقررون نفس
التّقرير، فلماذا يُفرّق المبطلون؟!
إنَّه المكر الكبَّار، من أجل
هدم عقيدة السلف في باب السمع والطَّاعة؛ وثناؤهم وتمسحهم بالعلماء إنَّما هو
لتغرير الطغام والعوام، وضعاف الإيمان، أنّهم على عقيدة العلماء، وهم يهدمون عقيدة
العلماء بذم أتباعهم على الحق من أهل السنَّة والجماعة.
ولكن سياط أهل
السنَّة أوجعت ظهورهم، وكسرت رؤوسهم، فواجهوهم وتصدوا لهم بأدلة الكتاب والسنَّة،
وفهم سلف الأمّة، فانهدمت شبهاتهم، وظهر لكثير من الناس ضلالهم، ومن لم يرد الله
هدايته فلن تملك له من الله شيئًا.
وفي المقابل: ظهرت فرقة تدَّعي السلفيَّة، وتحارب الفرق الخارجيَّة،
وترفع - صوريًا - راية الكتاب والسنَّة وفهم سلف الأمة، ونهج علماء الملَّة،
ولكنَّهم في الحقيقة على عقيدة الإرجاء، في باب الإيمان والتكفير!!
فالمشرك عندهم موحّد لأنَّه جاهل، وتارك العمل
بالكليَّة مؤمن ناقص الإيمان لأنَّه غير جاحد، مع أنَّ هؤلاء المرجئة يصيحون في
تقريراتهم بأعلى صوتهم: الإيمان قول وعمل واعتقاد، فيوافقوا أهل السنَّة تعريفًا،
ويخالفونهم تطبيقًا، فلم يُكفّروا المشركين، والتاركين للعمل الكافرين، فلم ينفعهم
التقرير دون التطبيق.
فتنبَّهَ أهل السنَّة لهم، وعرفوا مكرهم، فرموهم رميةَ رجلٍ واحدٍ،
فأبطلوا باطلهم، وأدحضوا شبهاتهم؛ فهنا بدأ المكر الكبَّار، وكيد الفجَّار، لهدم
معتقد أهل السنَّة والجماعة في باب الإيمان والتَّكفير، فكان مكرهم ملخصًا مجملًا
في الآتي:
- الدندنة على موافقة تعريف أهل السنَّة والجماعة في
الباب، مع مخالفته في الواقع.
- أخذ كلام متشابه من الأدلَّة
وأقوال العلماء، يزعمون فيه أن تارك العمل مؤمن، وفاعل الشرك موحد، فهدموا توحيد
الألوهية من أسّه.
- التمسح بالعلماء ظاهرًا، وضربهم باطنًا مكرًا
وخداعًا.
- أخذوا بنبز أهل
السنَّة والجماعة بألقاب تنفيريَّة، كقولهم: حدَّاديَّة، خارجيَّة، قطبيَّة.
ومن مكرهم هنا وهو ما شابهوا به الصنف الأول - والمبتدعة تتشابه
قلوبهم - وهم الخوارج وأتباعهم:
أنَّهم قالوا ذلك في بعض أهل
العلم دون غيرهم، مع أنَّ قول أهل العلم واحد!
ٌفلماذا التفريق؟؟
فتجد هؤلاء المرجئة
لا يقولون علنًا وظاهرًا عن اللجنة الدائمة وابن باز والفوزان وبقية العلماء
المشهورين: حدَّاديَّة، خارجيَّة، قطبيَّة.
بينما يقولونها
لغيرهم من العلماء وأهل العلم وطلَّابه ممن يقررون نفس تقرير اللجنة الدَّائمة
وابن باز والفوزان وبقيَّة العلماء الذي هو تقرير السلف!
وما هذا إلاَّ مكر مكروه،
وباطل صنعوه، وكيد كادوه، ولا يحيق الباطل إلاَّ بأهله!
وذلك لأنَّهم لو
صرحوا بذم العلماء، لانكشف ستار التقيَّة، وظهرت حقيقة القوم الخفيَّة، فيحذرهم
النَّاسُ، ويزول الالتباسُ، ولكنَّهم أرادوا التَّلبيس، بتقدير العلماء ظاهرًا،
وضرب عقيدتهم باطنَّا، وذلك: بالطَّعن في الذين يقررون تقريراتهم.
فهم جعلوا بعض الأشخاص غرضًا يطعنون فيهم والقصد طعن عقيدة السلف!
وقد قلتُ في مقال لي بعنوان: "شكر المشايخ النبلاء،
المحذرين من فتنة الإرجاء"
بعد هجوم المرجئة على بعض الأشياخ كالسناني وابن طامي وغيرهما:
والمرجئة إذ يهاجمون الشيخين
وغيرهما من علماء السنَّة ومشايخها، إنَّما يريدون هدم السنَّة لا الأشخاص المهاجمين
فقط؛ وذلك: بأنَّ الشيخين قد قررا كلام السلف وما أجمعوا عليه، فالطَّعن فيهم بسبب
ماقالوه في مسألة ترك العمل، هو طعن في السنَّة وأهلها!
وتقريرهم هو تقرير علمائنا الكبار أئمة الإسلام؛
كعلماء اللّجنة الدائمة وعلى رأسهم سماحة الإمام ابن باز - طيَّب الله ذكره، ورفع
درجته -.انتهى)
وهذا نقلٌ يتبيَّن به أنَّ هؤلاء المدَّعين للسلفية أنَّهم أتباع
غلاة الإرجاء من الأشاعرة ومن لفَّ لفَّهم:
قال البيجوري الأشعري:
"و هذا شرط كمال
على المختارة عند أهل السنة - يقصد الاشاعرة - فمن أتى بالعمل فقد حصل الكمال، ومن
تركه فهو مؤمن، لكنه فوت على نفسه الكمال إذا لم يكن مع ذلك استحلال أو عناد
للشارع أو شك في مشروعيته."
[ حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد/ ص ٩٤ ط: دارالسلام.]
وجوهرة التوحيد وشرح
مؤلفها، وحاشية البيجوري عليها، من الكتب المعتمدة عند متأخري الأشاعرة، والأشاعرة
من غلاة المرجئة!
فهل هؤلاء سلفيون أم
أتباع الأشاعرة الغلاة في الإرجاء؟!
وهنا أسوق بعض كلام العلماء في هذه الطائفة الإرجائيَّة، المنحرفة عن
الجادة السويَّة، ليعلم القارئ تصريح العلماء بكون هذه الطائفة إرجائيَّة غالية؛
لأنَّها أشدّ الفرق خطرًا على عقيدة السلفيين، لشبهة انتمائهم إليها، والسلفيَّة
بريئة منهم.
١ - قال الحافظ ابن رجب
- رحمه الله -:
قال سفيان بن عيينه: المرجئة سموا ترك
الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير
استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر: هو كفر.
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي
صلي الله عليه وسلم ولم يعملوا بشريعته.
إلى أن قال ابن رجب:
ونقل حرب عن إسحاق
قال : غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قومًا يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات،
وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامَّة الفرائض، من غير جحود لها لا نُكفره، يرجى
أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شكَّ فيهم - يعني في أنَّهم مرجئة -.
فتح الباري [١ / ٢١]
٢ - وقد أفتى
علماء اللجنة الدَّائمة برئاسة الإمام ابن باز - رحمه الله - بأن هذا القول قول
المرجئة، في ردهم على عدة كتب منها كتاب: "ضبط الضوابط" الذي قال فيه
مؤلفه: "والقول بأن تارك العمل الظاهر كافر مخلد في النار هو قول الخوارج
والمعتزلة."
فأجابت اللجنة:
فقد اطَّلعت اللَّجنة الدَّائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء على
الكتاب الموسوم بـ:
(ضبط الضوابط في الإيمان
ونواقضه ) تأليف المدعو: أحمد بن صالح الزهراني، فوجدته كتابًا يدعو إلى مذهب
الإرجاء المذموم؛ لأنَّه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان، وهذا
خلاف ما عليه أهل السنَّة والجماعة من أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل
بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
وعليه: فإنَّ هذا الكتاب لا
يجوز نشره وترويجه، ويجب على مؤلفه وناشره التَّوبة إلى الله عز وجل.
ونحذر المسلمين مما احتواه هذا
الكتاب من المذهب الباطل حماية لعقيدتهم واستبراء لدينهم، كما نحذر من اتباع زلات
العلماء فضلا عن غيرهم من صغار الطلبة الذين لم يأخذوا العلم من أصوله المعتمدة .
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عبد العزيز بن باز.
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ.
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.
صالح بن فوزان الفوزان.
بكر بن عبد الله أبو زيد.
٣ - وقال شيخنا العلامة صالح الفوزان - حفظه الله -:
والمرجئة أربع طوائف :
- الطائفة الأولى: غلاة المرجئة، وهم هؤلاء الجهمية الذين يقولون الإيمان مجرد المعرفة.
- الطائفة الثانية: الأشاعرة و هم الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط و لو لم ينطق
بلسانه لا مجرد المعرفة .
- الطائفة الثالثة: الكرَّامية الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق بالّلسان و لو
لم يعتقد بقلبه .
- الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء الذين يقولون : إن الإيمان قول بالّلسان و
اعتقاد بالقلب و لا تدخل الأعمال في حقيقة الإيمان.
- وهناك فرقة خامسة ظهرت
الآن و هم الذين يقولون: إن
الأعمال شرط في كمال الإيمان الواجب أو الكمال المستحب.
[التعليق على النونية ٢ / ٦٤٧ - ٦٤٨]
فهذه نقول عن علماء السنَّة
المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، صرحوا بأنَّ هذه الفرقة من المرجئة، بل من غلاة
المرجئة - نسأل الله العافية -.
وليعلم كل من يريد
هدم عقيدة أهل السنَّة والجماعة بتلبيسه ومكره، أنّ الله فاضح أمره، وكابت سعيه،
فهو سبحانه تكفل بحفظ دينه، ونصر أنصار شرعه.
فالحق وأهله منصورون، والعاقبة
للمتَّقين؛ ولا يضر أهل الاستقامة كيدُ الكائدين.
قال تعالى:
﴿يُريدونَ لِيُطفِئوا نورَ اللَّهِ
بِأَفواهِهِم وَاللَّهُ مُتِمُّ نورِهِ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ ● هُوَ الَّذي
أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ
وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾
[الصف:٨ - ٩]
وقال تعالى:
﴿إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ
آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقومُ الأَشهادُ﴾
[غافر: ٥١]
وليعلم أهل الباطل كلهم: أن
أهل السنَّة والجماعة لن يوقف سياطَ ردودهم على الباطل وأهله تشنيعُ المبطلين،
ومكرُ الماكرين، وكيدُ الكائدين، فهم أمةٌ
قائمةٌ ظاهرةٌ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى.
وصلى الله علىٰ نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
✒كتبه:
مبارك بن خليفة بن
محمد العساف.
يوم الأربعاء ٩ / ٧ /
١٤٣٨هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق