الثلاثاء، 19 مايو 2015

فوائد منتقاة، من كلام ابن الجوزي في نصح الولاة.




فوائد منتقاة، من كلام ابن الجوزي في نصح الولاة.




فإنَّ المنهجَ الصحيحَ الذي تدلُّ عليه الأدلة، وآثار سلف الأمة، في نصح الولاة، واضح  وصريح لمن أنار الله بصيرته، وشرح صدره وأحسن سريرته،
وملخص منهج أهل السنة في طريقة النصح:
أن تكون النصيحة سرية ويُراعى فيها الأسلوب الحسن؛
ولا تجوز المجاهرة بها، إلا بشرطين ذكرهما أهلُ العلم وهما:

الأول: أن تكون بين يديه.
الثاني: أن تراعى فيها المصلحة المحضة أو الراجحة.
وفي هذا المقال القصير، أنقل بعضَ ماذكره العلامة ابن الجوزي _رحمه الله_ في كتابه:
(
عطفُ العلماءِ على الأمراء والأمراء على العلماء)
في كيفية النصح للولاة، وكيفية التعامل معهم؛
وإن كان الكتاب تطرق لمسألة الدخول على السلاطين بنوعيه الممدوح والمذموم وساق في ذلك الآثار، عن سلفنا الأخيار؛
فقد اقتصرت على الفوائد المتعلقة بالنصح؛
ولم أذكر الآثار؛ قصدًا مني للاختصار.

فأسأل الله أن ينفع المؤلف والناقل والقارئ.
فأقول مستعينًا بالله:

الفائدة الأولى:
قال ابن الجوزي _رحمه الله _ عمَّا ورد من أحاديث وآثار في ذمِّ الدخول على السلطان -وقد ذكرها في كتابه-:
أما الأحاديث المرفوعة فلا تصح، وأما كراهية السلف، فإنهم تكلموا على الغالب، والغالب على الداخل على السلطان الفتنة؛ إما بإبدال النصح بالمدح لنيل شيء من الحطام، أو بالسكوت عن إنكار منكر يمكن الكلام فيه، أو بالتلهف على فوات الدنيا إذا رآها عندهم.

الفائدة الثانية:
قال _رحمه الله _: 
ومع إعلامي لك بأن موعظة الجبار الجائر جهاد، فأولى عندي التلطف، وإن كانت المبارزة بالتذكير جائزة؛ وإنما اخترت التلطف، لأن التشديد لايكاد ينفع، (والتلطف قد ينفع)، خصوصًا في حق الملوك.قلت: انظر _يارعاك الله_
في قوله:(والتلطف قد ينفع)
وذلك لأن النصح بالتلطف قد لاينفع، وهذا يفيد أنه ليس من لازم النصح الصحيح قبول النصيحة من المنصوح!
فكيف النصح بالشدة والطريقة المخالفة فإنه أولى بعدم القبول
!
فتأمل!!

الفائدة الثالثة:
قال _رحمه الله_:
ومن الغلط تكليمهم كتكليم العوام، فإن الرئاسة لها سكرة، وقد علمنا الحق عز وجلَّ التلطف بقوله تعالى:(فقولا له قولاً لينا)
ثم بينه بقوله تعالى:( هل لك إلى أن تزكى)
فأخرجه مخرج السؤال لا الأمر لمكان تجبره
.

الفائدة الرابعة:
قال _ رحمه الله _ :
ولتكن الموعظة للسلطان في خلوة، ولو كانت في مكتوب لكانت أصلح.
ولا ينبغي أن يفتح له مافيه خلاف بين الفقهاء، ولتكن موعظته إشارة لا تصريحًا، ممزوجةً بذكر ثواب العدل، وليدرج التخويف بألطف إشارة، وليحذر منكافالمخاطبة، أو من التطويل في الكلام، وليبالغ في استعمال الأدب، وليظهر أني أُذَكّرُ، ولا أُعَلّمُ
لأن السلطان يرى بتقدمه التقدم في كل شيء
.

قلت: وهذا الكلام يراد منه قبول النصيحة، مهما أمكن من أسلوب لا يخرج به إلى المحذور.

وأما قوله:(ولا ينبغي أن يفتح له مافيه خلاف بين الفقهاء)
فهو محمول على الخلاف السائغ، لا الخلاف المعارض للدليل، فإنه يبين الصواب للسلطان بالطريقة الشرعية.

الفائدة الخامسة:
ذكر العلامةُ ابن الجوزي قصة له مع أحد السلاطين وهي كما يرويها:
ولقد قلت لأمير المؤمنين المستضيئ بأمر الله يوماً:
يا أمير المؤمنين، إن تكلمتُ خفتُ منك، وإن سكتُ خفتُ عليك، وأنا أُقدّمُ خوفي عليك -لمحبتي لك- على خوفي منك؛
إن الله عز وجلَّ لم يجعل أحداً فوقك، فلا ترض أن يكون أحد أشكر له منك، التلمح التلمح لأفعال الثواب، فإنه متى فسدت الجوارح لم يؤمن تعدي الفساد إلى القلب
.

قلت:
وفي هذا بيان للعمل بالعلم،
فقد طبق الشيخُ ماذكره من طريقة في النصح والوعظ للولاة

الفائدة السادسة:
قال ابن الجوزي _ رحمه الله _ :
فإذا تلمح الواعظ أن الموعظة تنفق عند السلطان انبسط بالموعظة، وإلا ورّى وتلطف، أو ترك
.
الفاِئدة السابعة:
قال ابنُ الجوزي _ رحمه الله _ :
فقد تنخل بما ذكرته أن السلاطين ثلاثة:
عادل تابع للحق، فإعانة هذا واجبة، والتردد إليه عبادة؛
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد السلاطين، وأبو بكر كان سلطانا، وعمر وعثمان وعلي
.

ثم ذكر أثراً.. 
ثم قال:
والثاني
:
سلطان يعمل بالصوابِ ويعمل بالخطأ؛ فينبغي أن ينبه ويذكر على قدر قبوله للصواب، ويتلطف معه بالمكتوبات إليه، والإشارة على ماسبق بيانه.
والثالث:
سلطان يغلب عليه الجور، ويندر منه الصواب؛ فقد بينت وجه الإقدام على الإنكار على هذا، وأمرت بالتلطف مهما أمكن؛ واجتناب مثل هذا لازم إلا إذا أمكنت التذكرة، فإذا أمكنت فهي أفضل الأعمالِ.

قلت: هذه نُقولٌ ثمينةٌ عن العلامة ابن الجوزي، في نصح الولاة، وليس هذا منهجه وحده فقط! 
بل هذا منهج أهل السنة في طريقةِ النصحِ للولاة
.

فهل سيقول المتحزبون الناقدون لطريقة أهل السنة والجماعة في المناصحة إن ابن الجوزي كان جامياً، أو كان بلاط السلاطين،
كما يرمى به أهل السنة اليوم من قبل الحزبيين، بنبزهم عندما يقررون المعتقد الصحيح، والمنهج القويم، بأنهم جامية، أو غلاة طاعة، أو غيرها من ألقاب يقصد بها التنفير عن أهل الحق.

فكأنهم يعيبون دين الله!!
لأن المنهجَ السليم في النصح قد شرعه ربُنا، وبينه رسولُنا،
فعلى من تنقمون أيها المفتونون؟!!

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم
.

وكتبه:
مبارك بن خليفة العساف
ليلة السبت 7/4/1435

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق