الثلاثاء، 19 مايو 2015

الدُّرُ المختار من رسالة ابن رجب: الذل والانكسار

الدُّرُ المختار من رسالة ابن رجب: الذل والانكسار.
                    ﷽
الحمد لله رب العالمين، مدح الخاشعين والمخبتين، والصلاة والسلام على خير الخاشعين والخاضعين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فإن أعمال القلوب مقامها عظيم، وفقهها والعناية بها أمر جليل، وفضل نبيل؛
غفل عن تذاكرها والتفقه فيها خلقٌ كثير، ووفق لها من عرف أهميتها، وشأنها العظيم الكبير.
فقد تكاثرت فيها المصنفات، واعتنى بها الأئمة الهداة.
ومن هؤلاء الأعلام الذين اعتنوا بها عناية كبيرة: الحافظُ الكبيرُ زين الدين ابن رجب الحنبلي - رحمه اللهُ - ؛ وهو من العلماء الذين
إذا تكلموا في أعمال القلوب، أسرُوا القلوب، وقربوها لعلام الغيوب.
وما أحوجنا لترقيق القلوب، بتذاكر أعمال القلوب، التي فيها الناس متفاوتون، وفي درجاتها متفاضلون، فاللهم إنا نسألك من فضلك.
ومما كتبه الحافظُ ابن رجب الحنبلي - رحمه اللهُ - في هذا الباب رسالة قصيرة المحتوى، عظيمة المضمون؛ وهي رسالة:
الذل والانكسار للعزيز الجبار والمعروفة أيضًا باسم: الخشوع في الصلاة.
وقد انتقيت منها فوائد أرجو من الله أن يعم نفعها، وينتشر خيرها، ويكتب لي ولمن قرأها غنمها.
وهذهِ الفوائد بين يديك أيها القارئ الكريم.
فاللهمَّ يسر وأعن، وسدد وبارك.
الفائدة الأولى :
قال ابن رجب:
إن الله سبحانه مدح في كتابه المخبتين له، والمنكسرين لعظمته، الخاضعين والخاشعين لها.
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ

وقال: ﴿
وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ﴾
إلى قوله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
ووصف المؤمنين بالخشوع له في أشرف عباداتهم التي يحافظون عليها فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ
ووصف الذين أوتوا العلم بالخشوع حيث يكون كلامه مسموعًا فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا
﴾.
الفائدة الثانية :
قال ابن رجب:
وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته؛
فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعةٌ له؛ كما قال
: ﴿أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ﴾.
الفائدة الثالثة: ذكر ابن رجب تفاسير للسلف لبعض الآيات القرآنية التي ذكر فيها الخشوع ومنها قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
قال ابن رجب : وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: خائفون ساكنون.
وقال ابن شوذب عن الحسن
- رحمه اللهُ تعالى ـ
: كان الخشوع في قلوبهم فغضُّوا له البصر في الصلاة.
قلتُ: ومعنى غض البصر هنا: عدم الالتفات يمينًا وشمالًا.
وقال ابنُ أبي نَجيح عن مجاهد
- رحمه اللهُ تعالى ـ في قوله تعالى: ﴿
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ قال: متواضعين.
الفائدة الرابعة: قال ابن رجب : وقد وصف اللهُ تعالى في كتابه الأرضَ بالخشوع فقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾، فاهتزازها وربوها
- وهو ارتفاعها - مزيلٌ لخشوعها؛ فدل على أن الخشوع الذي كانت عليه هو سكونها وانخفاضها، فكذلك القلب إذًا، فإنه تسكن خواطره وإرادته الرديئة التي تنشأ من اتباع الهوى وينكسر وينخضع لله، فيزول بذلك ماكان فيه من التعاظم والترفع والتكبر؛ ومتى سكن ذلك في القلب خشعت الأعضاء والجوارح والحركات كلُّها حتى الصوت، وقد وصف اللهُ تعالى الصوت بالخشوع في قوله: ﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾
فخشوع الأصوات هو سكونها وانخفاضها بعد ارتفاعها.
الفائدة الخامسة:
قال ابن رجب :
ومتى تكلف الإنسانُ تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه كان ذلك خشوع نفاق؛ وهو الذي كان السلف يستعيذون منه كما قال بعضهم: استعيذوا بالله من خشوع النفاق. قالوا وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع.
وقال ابن رجب: فمن أظهر خشوعًا غير مافي قلبه، فإنما هو نفاق على نفاق.
الفائدة السادسة:
قال ابن رجب :
وأصل الخشوع الحاصل في القلب، إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله، فمن كان أعرف فهو له أخشع.
الفائدة السابعة:
قال ابن رجب:
ويتفاوت الخشوع في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛
فمن خاشعٍ لقوة مطالعته لقرب الله من عبده واطلاعه على سره وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات.
ومن خاشعٍ لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته والشوق إلى لقائه ورؤيته.
ومن خاشعٍ لمطالعته شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه.
الفائدة الثامنة:
قال ابن رجب: وروى سعيد بن بشير عن الحسن - رحمه اللهُ تعالى - عن شداد بن أوس عن النبي
 قال: ﴿أول مايرفع من الناس الخشوع﴾
قلتُ: وهذا الحديث صححه الألباني
- رحمه اللهُ -
الفائدة التاسعة:
قال ابن رجب:
فالعلمُ النافعُ هو ما باشر القلوبَ فأوجب لها السكينةَ والخشيةَ والإخبات لله والتواضع والانكسار، وإذا لم يباشر القلبَ ذلك من العلم، وإنما كان على اللسان فهو حجة الله علىٰ ابن آدم تقوم على صاحبه وغيره.
وقال أيضًا: أخبر النبي أن العلم الذي عند أهل الكتابين من قبلنا موجود بأيديهم ولا ينتفعون بشيء منه لما فقدوا المقصود منه، وهو وصوله إلى قلوبهم حتى يجدوا حلاوة الإيمان به، ومنفعته بحصول الخشية والإنابة لقلوبهم، وإنما هو على ألسنتهم تقام به الحجة عليهم.
ولهذا المعنى وصف اللهُ سبحانه في كتابه العلماء بالخشية كما قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾.
الفائدة العاشرة:
قال ابن رجب:
وقد قبح اللهُ من لا يخشع قلبه لسماع كتاب الله وتدبره، قال تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
وَلَا يَكُونُوا﴾ الآية، قال ابن مسعود - رضي اللهُ عنه - : لم يكن بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلاَّ أربع سنين.
خرجه مسلمٌ، و النسائي وزاد فيه: فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضًا.
وقال أيضًا: وقد كان النبيُّ يستعيذ بالله من قلب لا يخشع كما في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي كان يقول: ﴿اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا﴾.
الفائدة الحادية عشرة:
قال ابن رجب:
وقد شرع اللهُ لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع الأبدان الناشىء عن خشوع القلب وذله وانكساره، ومن أعظم مايظهر في ذلك من العبادات: الصلاة؛ فقد مدح اللهُ الخاشعين فيها بقوله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.
الفائدة الثانية عشرة:
قال ابن رجب نقلا عن ابن المبارك:
وكان العلماءُ إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن عزَّ وجلَّ عن أن يشد نظره، أو يلتفت، أو يُقلب الحصى، أو يعبث بشيء أو يُحدِّث نفسه من أمر الدنيا إلاَّ ناسياً مادام في صلاته.
الفائدة الثالثة عشرة:
قال ابن رجب:
ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، وقد روي عن الإمامِ أحمد - رحمه اللهُ - أنه سئل عن المراد بذلك فقال: هو ذل بين يدي الله. 
الفائدة الرابعة عشرة:
ذكر ابن رجب معنى عدم الالتفات في الصلاة وقال:
هو نوعان:
أحدهما
: عدم التفات قلبه إلى غير ماهو مباح له، وتفريغ القلب للرب عزَّ وجلَّ، وفي صحيح مسلم عن عمر بن عبسة - رضي اللهُ عنه - عن النبي أنه قال في فضل الوضوء وثوابه: ثم قال: ﴿ فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ﴾
الثاني: عدم الالتفات بالنظر يمينًا وشمالًا وقصر البصر على موضع السجود، وهو من لوازم الخشوع للقلب وعدم التفاته.
الفائدة الخامسة عشرة:
قال ابن رجب:
الركوع هو ذل بظاهر الجسد؛ ولذلك كانت العرب تأنف منه ولا تفعله حين بايع بعضهم النبي أن لا يخر إلاَّ قائمًا. يعني يسجد من غير ركوع، كذلك فسره الإمامُ أحمد - رحمه اللهُ تعالى ـ والمحققون من العلماء.
قلتُ : وبهذا الحديث ومثله استدل الإمامُ أحمد على صحة الدخول في الإسلام مع الشرط الفاسد.
وذلك لأن الداخل في الإسلام بعد دخوله يجبر على القيام بالشرائع وأيضًا عندما يخالط الإيمان بشاشة قلبه فإنه يمتثل للأوامر على وجهها.
وللفائدة: ينظر في شرح ابن رجب للحديث الثامن في جامع العلوم والحكم.
الفائدة السادسة عشرة:
قال ابن رجب:
السجود هو أعظم ما يظهر فيه ذلُّ العبد لربه عزَّ وجلَّ، حيثُ جعل أشرفَ أعضائه وأعزها عليه وأعلاها عليه حقيقةً أوضع مايمكنه، فيضعه في التراب متعفرا؛ ويتبع ذلك انكسارُ القلب وتواضعه وخشوعه لله عز َّوجلَّ.
ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه الله عزَّ وجلَّ إليه، فإن أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد، كما صح ذلك عن النبي
.
الفائدة السابعة عشرة:
قال ابن رجب:
والسجود أيضًا مما كان يأنف منه المشركون المستكبرون عن عبادة الله عزَّ وجلَّ، وكان بعضهم يقول:أكره أن أسجد فتعلوني إستي، وبعضهم يأخذ كفًا من حصى فيرفعه إلى جبهته ويكتفي بذلك عن السجود.
وإبليس إنما طرده اللهُ لما استكبر عن السجود لمن أمره اللهُ بالسجود له.
ولذلك يبكي إذا سجد المؤمن ويقول: أُمر ابن آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
قلتُ : الحديث خرجه مسلمٌ وغيره
.
الفائدة الثامنة عشرة:
قال ابن رجب :
ومن تمام خشوع العبد لله وتواضعه له في ركوعه وسجوده: أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف ربه حينئذٍ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول: الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك، ولهذا شرع للعبد في ركوعه أن يقول: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده:سبحان ربي الأعلى.
وكان النبيُّ
 أحيانًا يقول في سجوده: ﴿سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ﴾.
قلتُ: وثبت قول هذا الذكر في الركوع أيضًا، كما عند النسائي وأبي داوود وصححه الألباني. 
فيكون من الأذكار المشتركة في الركوع والسجود.
الفائدة التاسعة عشرة:
قال ابن رجب:
ومن أنواع العبادات التي يظهر فيها الذلُّ والخضوع لله عز وجلَّ :الدعاء؛ قال تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ وقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.
فمما يظهر فيه من الذل: رفع اليدين.
وقد صح عن النبي
 رفع يديه من الدعاء في مواطن كثيرة، وأعظمها في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه، وكذلك كان يجتهد في الرفع عشية عرفة.
الفائدة العشرون:
قال ابن رجب:
ومنه - الذلُّ والخضوع - افتقار القلب في الدعاء وانكساره لله عز َّوجلَّ، واستشعاره شدة الفاقة إليه والحاجة لديه، وعلى قدر الحرقة والفاقة تكون إجابة الدعاء.
الفائدة الحادية والعشرون:
قال ابن رجب:
ومن ذلك إظهار الذل باللسان في نفس السؤال و الدعاء والإلحاح فيه، قال الأوزاعي - رحمه اللهُ - : كَانَ يقال:أفضل الدعاء الإلحاح على اللهِ والتضرع إليه.
الفائدة الثانية والعشرون:
قال ابن رجب :
وفي حديث معاذ بن جبل - رضي اللهُ عنه - عن النبي قال في قصة المنام : ﴿إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِين﴾.
والمراد بالمساكين في هذهِ الأحاديث ونحوها: من كان قلبه مسكينا خاضعا لله، خاشعًا له، وظاهره كذلك.
وأكثر ما يوجد ذلك مع الفقر من المال، لأن المال يطغي.
وقال أيضًا: وخرج النسائي من حديث أبي ذر - رضي اللهُ عنه - عن النبي قال : ﴿إنَّ الفقر فقر النفس، والغنى غنى القلب﴾
وفي الصحيحين عن النبي
 قال: ﴿ إنَّ الغنى غنى النفس﴾.
ولهذا قال الإمامُ أحمد وابن عيينة وابن وهب وجماعة من الأئمة: إِنَّ الفقر الذي استعاذ منه النبيُّ
 فقر النفس، فمن استكان قلبه لله عز َّوجلَّ وخشع له فهو مسكين وإن كان غنياً من المال، لأن استكانة القلب لا تنفك عن استكانة الجوارح، ومن خشع ظاهره واستكان وقلبه ليس بخاشع ولا مستكن فهو جبار.
الفائدة الثالثة والعشرون:
قال ابن رجب :
فصل في فضل مقام العبودية.
ومما اختاره النبيُّ
 مقامَ العبودية على مقام الملك، وقام بين يديه رجل يوم الفتح فارتعد فقال له: ﴿هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ﴾.
الفائدة الرابعة والعشرون:
قال ابن رجب :
وقال إبراهيم الخواص - رحمه اللهُ تعالى ـ : دواء القلوب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء الباطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
الفائدة الخامسة والعشرون:
قال ابن رجب :
وقال إبراهيم بن أدهم - رحمه اللهُ تعالى - في موعظته حين سألوه عن قوله تعالى: ﴿ ادعوني استجب لكم﴾ وإنا ندعوه فلم يستجب لنا.
فقال لهم: عرفتم الله فلم تطيعوه، وقرأتم القرآن فلم تعملوا به، وعرفتم الشيطان فوافقتموه، وادعيتم حب رسول الله
 وتركتم سنته، وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها، وادعيتم الخوف من النار ولم تنتهوا عن الذنوب، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب غيركم ولم تنظروا إلى عيوبكم، وتأكلون رزق الله ولا تشكرون، وتدفنون أمواتكم ولا تعتبرون.
هذهِ آخر فوائد الكتاب المنتقاة، وهي دالة على محتواه، وتكمل الفائدة بالرجوع له وقراءته.
فاللهمَّ إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وعين لا تدمع، ودعوة لا يستجاب لها.
اللهمَّ اجعلنا لك خاشعين، ولعظمتك خاضعين، واحشرنا في زمرة المتقين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه: مبارك بن خليفة العساف.
عشاء الخميس ١٨ رجب ١٤٣٦هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق