الثلاثاء، 19 مايو 2015

اللآلئ المختارات، من كتاب: أحكام النظر إلى المحرمات

اللآلئ  المختارات، من كتاب: أحكام النظر إلى المحرمات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالغض من البصر؛ حماية من الوقوع في الآفات والخطر،
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ خير البرية والبشر، القائل: وزنا العين النظر.
أما بعد.
فإنَّ الشياطين الإنسية والجنية، لا يفترون عن المكر بالمسلمين؛ ليوقعوا بهم في دنس الشهوات، وخطر الآفات، وذلك بتزيينهم النظر للمحرمات، وكل مايوصل إلى شهوات الفروج المنكرات.
ولهذا السبب فإني قد انتقيت بعضًا من الفوائد النافعة، والكلمات الناجعة، من كتاب:
"
أحكام النظر إلى المحرمات، ومافيه من النظر والآفات، والرد على من استباح حله، وادعى العصمة فيه من الفتنة"
لمؤلفه الحافظِ أبي بكر محمد بن عبد الله بن حبيب العامري، المعروف بابن الخباز، المتوفى سنة ٥٣٠ هـ

مع بعض التعليقات اليسيرة مني؛
رجاء نفعها، وانتشار خيرها، ومجابهة لأهل الباطل والفجور، من دعاة التبرج والسفور، والنظر المحظور.
فأقول مستعينًا برب العباد، راجيًا للتوفيق والسداد:
الفائدة الأولى:
ذكر المؤلف سبب تأليفه للرسالة فقال:
فقد ذُكر سؤال جماعة من أهل الدين عن النظر الذي أُمر المؤمنون فيه بغض الأبصار، وبيان ماحرم الكتاب والسنة منه، وما أباحه في وقت أو حضر، وسألوا عن قوم يدعون الفقر والصلاح والزهد، ثمّ هم ينظرون إلى النساء غير ذوات المحارم، وينظرون إليهم وربما خلوا بهن، وزعموا أن ذلك لا يضرهم لأنه لا آفة في نظرهم لسلامة قلوبهم من الهوى والشهوة، وربما عقدوا معهن عقد مؤاخاة في الله بزعمهم، فنسأل الله الكشف عن ذلك، فكان الجواب والله الموفق للصواب.
الفائدة الثانية:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
إن الذي أجمعت عليه الأمة واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو: نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض،
إلى أن قال: فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين، لا يباح بدعوى زهد وصلاح، ولا توهم عدم آفة ترفع عنهم الجناح، إلاَّ في أحوال نادرة؛ من ضرورة أو حاجة، على ما نبينه فيما بعد ، فما سوى ذلك محرم سواءً كان عن شهوة أو عن غيرها.
الفائدة الثالثة :
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
لا يجوز النظر إلى الأمرد بشهوة وغيرها من غير حاجة، كل ذلك لخوف   الفتنة والوقوع في الهلكة.
قلتُ: والصواب عدم حرمة النظر إليه بغير شهوة وتلذذ؛ وإلاَّ لأُمر المردان بتغطية الوجوه كما أمر النساء؛ ولكن إذا كان النظر وسيلة للجريمة، فهنا يكون المنع؛ وهذا التفصيل هو الصحيح إن شاء الله وهو الذي تدل عليه الأدلة.
وهذا القول الذي ذكرتُه نصره الشيخُ العلامةُ محمد العثيمين
- رحمه اللهُ - .
الفائدة الرابعة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
فأما الأدلة على ماذكرناه فمنها قوله تعالى لنبيه محمدٍ : ﴿‏‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
عما حرم اللهُ عليهم و "من" للتبعيض، فكأنه خص بالحظر والتحريم نوعاً من النظر وهو ما أشرنا إليه، وأطلق بعض النظر إلى ذوي المحارم وما تدعو إليه الحاجة؛ ثم عطف على ذكر النساء مفردا لهن بالذكر، مع أنهن يدخلن في عموم خطاب الشرع تبعاً للرجال، فقال: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾
تأكيداً لأمر النظر، واحتياطا لصيانة الفروج عن الزنا والخطر، ولئلا يتوهم أن الأمر بختص بالرجال.
الفائدة الخامسة:
ذكر المؤلف حديث أم سلمة وهو:﴿
أَنَّ ‏أُمَّ سَلَمَةَ ‏قَالَتْ ‏: ‏كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَمَيْمُونَةُ ‏‏فَأَقْبَلَ ‏ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏احْتَجِبَا مِنْهُ . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا ؟ قَالَ : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ، ألَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ.﴾
وذكر بعض الفوائد في تعليقه عليه.
قلتُ: ولكن هذا الحديث ضعيف، ومخالف لما جاء في صحيح مسلم: ﴿عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ: وذلك لما توفي زوجها
ثُمَّ قَالَ: تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي ، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ.﴾
فهذا الصحيح أنه لا يجب أن تحتجب المرأة عند الأعمى، وهذا ترجيح العلامةِ العثيمين وشيخنا العلامةِ صالح الفوزان.
ومع ذلك فإن المؤلف ذكر فوائد في التعليق، منها ما ذكر عن الفتنة حيث قال:
لا يتحقق الأمن منها مع بقاء طبع البشرية.
الفائدة السادسة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
وقال تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾
إلى قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾
قيل:
هم الحرم ومن لا شهوة له من النساء.
﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾
أي لم يفطنوا للنكاح والشهوة ومحالها؛ فاستوفى في الآية منعهن من إظهار زينتهن وجمالهن لمن ليس لهن بمحرم من أقاربهن، وحرم عليهن ذلك لغير المحارم وهم الأجانب منهن.
الفائدة السابعة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري
: روي عن علي بن أبي طالب - رضي اللهُ عنه - أنه قال:
﴿ أن النبي
 أردف الفضل بن العباس خلفه في الحج، فجاءت جارية من خثعم تستفتي رسول الله، فلوى النبيُّ عنق الفضل لئلا ينظر إليها، فقال عمه العباس: لويت عنق ابن عمك يارسول الله، فقال عليه السلام: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما﴾.
يعني أن يشغل قلب أحدهما بصاحبه إذا نظر إليه، فانظر كيف فعل بابن عمه وهو في حضرته ملتبس بأسباب حجه، ولم يأمن الطباع من الفتنة، والشيطان من الوسوسة والمحنة.
الفائدة الثامنة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
فكيف يدعي في زماننا الأمن أحدٌ فضلاً عن عامي وغبي جاهل وفلاح سوادي وإن تدين في ظاهره بزعمه، أو ادعى العصمة، ولئن تصور في شيخ كبير أو واجد، فلم ينبغي أن يخرج جماعة من الشباب في ذلك؟، فهذا عين الضلال.
الفائدة التاسعة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري :
ولما آخى النبيُّ بين أصحابه لم ينقل عنه قط في ذلك أنه ذكر النساء فضلاً عن مؤاخاتهن بالرجال، وذلك لضعفهن، وسرعة انقيادهن، ورقة طباعهن، وقرب انخداعهن وخدعهن بدعوى زهادة وديانة، وبزعم أنه قد أمن الفتنة والخيانة، كيف يقبل هذا منه وقد روي في الصحيح أن النبي قال يومًا لعلي بن أبي طالب - رضي اللهُ عنه -: ﴿ يَا عَلِيُّ ، إِنَّ لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ، فَلا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّمَا لك الأُولَى لَكَ وَلَيْسَ لَكَ الآخرةُ ﴾.
يعني أن النظرة الأولى نظر الفجأة من غير قصد مبيح، لك عفو بلا إثم؛ وليس لك الثانية إذا أتبعتها نظرة تمتع.
هذا خطابه لعلي - رضي اللهُ عنه - مع علمه بكمال زهده وورعه وعفة باطنه وصيانة ظاهره، يحذره من النظر، ويؤمنه من الخطر، لئلا يدعي الأمن كل بطال، ويغتر بالعصمة والأمن من الفتنة، ولا يأمن مكر الله إلاَّ القوم الخاسرون.
قلتُ: نسب المصنف الحديث للصحيح، ولكن الحديث ليس في الصحيح؛ وإنما أخرجه أحمد وغيره.
الفائدة العاشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
وعن ابن مسعود - رضي اللهُ عنه - قال: ﴿ لَا تَنْعَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا.﴾
فانظر رحمك اللهُ كيف نهى عن وصف المرأة المرأةَ لزوجها صفة امرأة أجنبية، لئلا تسمو الفتنة إليها لأن الوصف يقوم مقام النظر، وكل ذلك احتياط وزجر عن النظر وما يدانيه.
الفائدة الحادية عشرة :
قال الحافظُ أبو بكر العامري :
وقد روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ﴿َ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ "وزنا اليدين اللمس" وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ﴾
فسمى النظر إلى غير المحارم والحديث معهن ولمسهن أجزاءً من الزنا الحقيقي الذي يصدق إلى تحقيقه الفرج، ويصدقه في وجوب الحد في الدنيا لا ستحقاق النار في الأخرى.
قلتُ: ذكر المصنف الحديث وفيه
" وزنا اليدين اللمس" وهذه ليست عند البخاري، وجاء في بعض طرق مسلم وغيره: "واليد زناها البطش"، وجاء في بعض الطرق: "واليد زناها اللمس" وفيه ابن لهيعة.
الفائدة الثانية عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
وفي الحديث عن المصطفى  أنه قال: ﴿ النظر سهم مسموم من سهام إبليس﴾
معناه: أن النظر من الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل، سهم يرمي به العدو إلى النفس والقلب، فقد يهلكهما دنيا وأخرى كالسهم المسموم؛ لأنه يخرج من الظاهر بحده، ويفسد الباطن بسمه؛ وقال - عليه السّلام -:
﴿ لا يخلون أحدٌ بامرأة ليست له بمحرم، فإن ثالثهما الشيطان.﴾
ويغريهما بالنظر والعصيان، فعم رسول الله
 بالتحريم والنهي جميع الرجال والنساء، ولم يختص عاماً منهم من خاص، ولا زاهد دون راغب، فمن تجاهل فغيّر وضع الشرع بدعواه، وأعرض عن حكمته مايتمناه، لم يسلم له ذلك في نفسه فضلاً عن مرآه، فيرد في نحره ما ابتدعه لقول النبي: ﴿ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ.﴾
قلتُ: حديث: ﴿ النظر سهم مسموم من سهام إبليس﴾.
حديث ضعيف، ضعفه الهيثمي والألباني وغيرهما؛
لكن معناه صحيح.
الفائدة الثالثة عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
وكيف يدعي الأمن من الفتنة وقد جرى لداوود - عليه السلام - ماجرى بسبب النظرة مع ما له من النبوة والعصمة، كل ذلك لئلا يدعي من دونه العصمة، ولا يلحق أحد بدرجة النبوة، وإن بلغ أعلى مقام من الولاية.
قلتُ: ويقصد المؤلف بما جرى لداوود - عليه السلام - القصة المكذوبة الباطلة، التي لا تليق بمقام النبوة، وهي: أن داوود نظر لامرأة فأعجبته، فأرسل زوجها للجهاد حتى يُقتل ثم يتزوج زوجته!
فهذه قصة باطلة بين بطلانها كثير من العلماءِ والمفسرين، وهي من أباطيل اليهود.
الفائدة الرابعة عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري
: ولا يصدق وليٌّ في حالته مالم يتحقق في متابعة النبيوشريعته، ويكون في سره وعلانيته متابعاً لهدي الرسول وسنته، وإلاَّ كان بدعيا كذابا؛ ولا يقبل زهد زاهد ولا عبادة عابد إلاَّ بعد تعظيم شريعة نبيه وكتاب رسوله بكمال الاحترام، فإن أخل بشيءٍ من ذلك وقع في الفتنة، وأكذب دعوى: العصمة.
الفائدة الخامسة عشرة :
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
شؤم العبادة بالجهل، أمضى بقوم من الأغبياء إلى الإعراض عن مواعظ القرآن.
الفائدة السادسة عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري :
وروي عن النبي أنه مرت به امرأة ذات يوم فوقع نظره عليها، فقام ودخل إلى أهله، فقضى شأنه معهم ثم خرج، فقيل له في ذلك فقال: إني لما رأيت المرأةَ ذكرتُ النساء فقمت إلى أهلي فقضيت شأني، فإذا أصاب أحدكم مثل هذا فليصنع هكذا.
فانظر كيف علمهم  صيانة القلوب عن مصاحبة خاطر امرأة ليست له بمحرم، وإنه إن عرض لأحدهم شيءٌ من هذا فليفض إلى حلاله؛ لئلا يعلق ذكر نساء الأجانب بباله، مع أن نظر الفجأة ليس بالمحرم، فافهم.
الفائدة السابعة عشرة:
ذكر المؤلف رحمه الله ما أبيح من النظر المحرم والخلوة لسبب أو لحاجة، فذكر الرضاع وبين الرضاع المحرم فقال: الرضاعة المحرمة التي تبيح النظر والخلوة، ما حصلت في الحولين حتى يسد اللبن مجاعة الطفل ويكون غذاءه.
الفائدة الثامنة عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
ويجوز للرجل النظر من الرجل ماسوى العورة.
الفائدة التاسعة عشرة:
قال الحافظُ أبو بكر العامري :
اختلف العلماءُ في مملوك المرأة، فمنهم من قال: هو محرم لها يجوز أن ينظر إليها ويخلو بها، لقوله تعالى : ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾
ومنهم من قال: ليس المملوك محرما لها.
الفائدة العشرون:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
وأما المراهق مع الأجنبية، فمنهم من قال: هو كالبالغ في تحريم النظر والخلوة؛ لقوله تعالى : ﴿الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ وهذا المراهق الذي قد قارب البلوغ ولم يحتلم قد ظهر على عورات النساء، أي علم بها، ومنهم من قال: يجوز له أن ينظر ويخلو بالمرأة إلى أن يبلغ، لقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ فعلق وجوب الاستئذان على وجود البلوغ لتحريم النظر فما دونه عفو؛
والاحتياط للدين بغض البصر، خشية الخطر إلى المحرم.
قلتُ: الصحيح التفصيل وهو: إن كان الطفل والمراهق الذي لم يبلغ، يظهر على عورات النساء، ويعرف الجميلة من غيرها، أو يكون عنده ميلٌ للنساء الجميلات من غيرهن، فلا يجوز له النظر.
وإن كان لا يظهر على عورات النساء ولا يميز فلا بأس بالنظر؛ وهذا ماتدل عليه الآية، وهذا ضابط واضح.
الفائدة الحادية والعشرون:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
ومن أقارب النساء من يجوز للرجل نكاحهن، كبنات أعمامه وعماته وأخواله وبنات خالاته، فهؤلاء لا يجوز نظر بعض إلى بعض، ولا الخلوة بهن، لأن نكاحهن جائز، فصرن كالأجانب.
الفائدة الثانية والعشرون:
بعد أن ذكر النظر الجائز للسبب، ذكر النظر الجائز للحاجة فقال - رحمه اللهُ - : إذا أراد الرجل الزواج بامرأة فإنه يجوز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها وما يدعوه لنكاحها، لما روي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله: ﴿ إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ﴾
يعني: الوجه والكفين وهي مستترة، ولا يباح له النظر إلى جسمها و لا شيء من عورتها بحال.
الفائدة الثالثة والعشرون : 
قال الحافظُ أبو بكر العامري :
إذا أردت شري جارية فيجوز أن تنظر إلى مادون السرة والركبة منها ومواضع التقليب لأجل الشري لا متمتعاً بالنظر عبثاً، فإن قصد التمتع بالنظر وأظهر إرادة الشرى، كان عاصيا لمولاه، كاذبا في دعواه، كمن يظهر أخوة النسوان بناموس الزهد وقصده التمتع بمعاشرتهن، فهو ملعون ممقوت عند الله، مارق عن شريعة رسول الله.
قلتُ : وهذهِ المسألة - النظر إلى الجارية عند إرادة شرائها، وتقليب مواضع التقليب كالصدر والظهر - مسألة اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من أجاز ماذكر المؤلف، ومنهم من أجازها بشرط الأمن من الشهوة، ومنهم من منعه وأجاز النظر للكفين ونحوه، ولكن توصف له الجارية إن أراد شراءها كما توصف له المرأة، وهذا قول مالك - رحمه الله -.
الفائدة الرابعة والعشرون:
ذكر المؤلف من أسباب النظر للحاجة: النظر للشهادة.
فقال الحافظُ أبو بكر العامري:
فينظر الشاهد إلى وجهها لتحقيق الشهادة، لا ليتمتع بالمشاهدة، فإنَّ قصدَ هذا فسقٌ وعصي، وإن كان الأولى صيانتهن عن المعاملات المفضية إلى هذا النوع من تبذلهن والتعرض لفتنتهن والافتتان بسببهن؛ ويجب على من نظر للحاجات المذكورة أن يتحفظ بقصر نظره على محل الضرورة ولا يتعدى إلى التمتع، فيقع في الخطر والتحريم والفتنة.
الفائدة الخامسة والعشرون:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى المحل الذي تدعو الضرورة إلى نظره إليه لمداوة العلة؛ كما أبيح النظر إلى العورة لوجوب الختان ضرورة.
قلتُ: يظهر من كلام المؤلف أنه يرى وجوب الختان على الرجال والنساء، وهذا قول لأهل العلم؛ والذي رجحته اللجنةُ الدائمة برئاسة الإمام ابن باز
  - رحمه اللهُ -، وجوبه على الرجال، واستحبابه للنساء
.
الفائدة السادسة والعشرون:
قال الحافظُ أبو بكر العامري منبها علىٰ أمر خطير يقع فيه كثير من العوام، قال - رحمه اللهُ -: وربما تسامح بعض الجهال من العوام في نظر الأخ إلى زوجة أخيه، والمرأة تنظر إلى زوج أختها، لا سيما إن اجتمعوا في منزل واحد، وربما خلا كل واحد من الأخوين بزوجة الآخر في غيبته، وكل ذلك محرم ممنوع شرعاً، لا يسيغه مذهب.
وقد روى عقبة بن عامر أن النبي قال : ﴿ إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنْصَارِ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمُوَ؟ قَال: الْحَمُوُ المَوتُ.﴾
وروي فيه أنه قال: ﴿ الحمو القبر.﴾، قال العلماءُ: أراد بالحمو ها هنا أخو الزوج.
فانظر كيف بالغ في الزجر عن التسامح في نظر أخي الزوج إلى امرأة أخيه، حتى آثر الموت في القبر لفاعليه.
قلتُ: وقيل في معنى الحديث: أن الحمو أشد من غيره فتنة وخطرا، كما تقول العرب: الأسد الموت.
وقيل: المراد الحذر من الحمو كما تحذر الموت.
الفائدة السابعة والعشرون:
قال الحافظُ أبو بكر العامري:
كذلك يحرم على الجار النظر إلى جارته، ويحرم على المرأة أن تبرز لجارها، وأن تنظر إليه مالم يكن محرما لها.
قلتُ:
المقصود من نهي المرأة عن النظر إلى الرجل هو: نظر الشهوة والتلذذ ونظر الفتنة؛ أما نظرها النظر العام فلا بأس به، وعليه تدل الأدلة.
الفائدة الثامنة والعشرون:
ختم المؤلف كتابه - وما أحسن هذا الختام- بنقل هذا الإجماع:
قد اتفقت علماء الأمة أن من اعتقد حل هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب، فقد كفر واستحق القتل بردته، وإن اعتقد تحريمه وفعله وأقر عليه ورضي به فقد فسق، لا يسمع له قول ولا تقبل له شهادة، فضلاً أن يظن به زهادة أو عبادة.
قلتُ: فهذا إجماع دامغ لدعاة الاختلاط المجرمين المستحلين لما حرم الله، من الليبراليين وإخوانهم، وكذلك من يجيز الاختلاط المحرم لهوى نفسه، ويلبسه لباس الشريعة، فينكر اختلاط غيره، ويبيحه لنفسه، فما أشبهه بمن رد عليهم المؤلف رحمه الله.
فهذه بعض فوائد الكتاب المنتقاة، وهي دالة على محتواه، وبقي غيرها من الفوائد، تكمل بالرجوع لأصل الكتاب، وحسبي في هذه الفوائد: الدلالة ولفت الانتباه لهذه الرسالة ومثلها، التي تساعد في الرد على أهل الفجور، دعاة الاختلاط والتبرج والسفور، والنظر المحظور.
والله ناصر دينه وأوليائه، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه:
مبارك بن خليفة العساف.
عشاء السبت ٢٧ رجب ١٤٣٦هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق